بقلم : أمينة خيري
لسبب ما، يبدو الحديث والحنين والأنين المرتبط بالطبقة المتوسطة وكأنه ازدراء للغلابة وكراهية للفقراء. ولسبب ما، يتخوف كثيرون من مجرد التطرق إلى تذكُّر ما كانت الطبقة المتوسطة عليه من قدر من أناقة المظهر والجوهر، ورقى التعليم والثقافة، وسمو الأهداف والوسائل. وقد جرى العرف الحديث لدى التطرق إلى الطبقة المتوسطة على اعتبارها طبقة انقرضت، أى لم يعد لها وجود. لكن الحقيقة أن الطبقة المتوسطة لم تختفِ أو تتبخر فى الهواء، بل العكس هو الصحيح. لقد تمددت وتشعبت وصارت ذات نكهات متعددة. والأهم من ذلك أن «شكلها اتغير» وهويتها وانتماءاتها الثقافية تبدلت وانقلبت رأسًا على عقب، فعقب فتح أبواب الهجرة الاقتصادية المؤقتة بدأت ملامح ومعالم هذه الطبقة فى التغير. لم تتحسن أو تتدهور، بل تغيرت. بات شكلها مختلفًا وجوهرها مغايرًا. ومن الطبيعى والمتوقع أن نتغير ونتأثر بالبيئات التى نعيش فيها، ولاسيما إن طال زمن الإقامة.
خذ عندك مثلًا مَن عاشوا فى دول أوروبية أو فى أمريكا سنوات طويلة، هم أيضًا يتغيرون بشكل أو بآخر، إن لم يكن فى المظهر ففى طريقة التفكير وأساليب المعيشة. وربما يكمن الفارق الكبير بين الهجرة إلى الغرب والهجرة إلى الشرق فى أن الأخيرة تتطابق مع المصرى فى خانة الديانة. ونضيف إلى ذلك موجة الترويج لشكل بعينه من أشكال التدين وتسويقه على مدار سنوات باعتباره الحق والأصل والصحيح، ولا صحيح سواه. هذه الملايين التى هاجرت هجرات اقتصادية عادت ومعها أفكار ثقافية مغايرة للمصرية. ونسبة كبيرة من هذه الملايين يمكن تصنيفها تحت بند الطبقة المتوسطة التى عادت ومعها «تحويشة العمر». منهم مَن فتح مدرسة وزرع فيها الثقافة الجديدة التى انتهجها، ومنهم مَن بدأ مشروعًا تجاريًا حرص فيه على تطبيق النموذج الذى رآه فى مكان إقامته، ومنهم مَن اعتبر نفسه واعتبره الأهل والأصدقاء نموذجًا يُحتذى من حيث الأفكار التى تغيرت، والملابس التى تبدلت، والأولويات التى تحولت. ولم لا، وهو نموذج للنجاح؟! وأمام هذا التغير الكبير فى مكونات الطبقة المتوسطة، ظلت هناك بقايا للطبقة المتوسطة القديمة، لكنها اضمحلت بحكم الكثرة العددية. ويمكن القول إنها أصبحت أقلية مقارنة بقرينتها العائدة إلى أرض الوطن. تعريف الطبقة المتوسطة ليس مهمة الاقتصاديين فقط، بل علماء السياسة والأنثروبولوجيا والاجتماع والنفس، كما أنه مهمة المتخصصين فى دراسة تأثير الدين وأشكال التدين على المجتمعات. المطلوب ليس الحصول على فتوى تبين ما إذا كانت الطبقة المتوسطة حرامًا أم حلالًا، أو رأى فقهى فى التحولات الاجتماعية، أو تنقيب شرعى لتحريم ملابس المصريين فى التاريخ الحديث. خلاصة القول أن الطبقة المتوسطة فى مصر موجودة، لكنها تغيرت، وبشدة. لذلك لزم التنويه إلى أن النوستالجيا فى هذا الصدد تتعلق بفئة معينة من الطبقة المتوسطة المختبئة فى جحورها لأن شكلها مختلف وتفكيرها مختلف، وينتميان إلى مصر أيام زمان.