بقلم - أمينة خيري
لو قُدِر للمومياوات الملكية الجارى نقلها غدا أن تخبرنا بشىء فى طريقها من ميدان التحرير إلى متحف الحضارة، لقالت لنا: حرام عليكم ما تفعلونه فى شوارعنا التى شهدت حضارة غير مسبوقة.
فى جميع أنحاء العالم تقع حوادث سير ويقع قتلى ومصابون. لكن فى جميع أنحاء العالم لا تُترك أمور الشوارع والطرق والكبارى والميادين لعنصر الصدفة أو عاملى القضاء والقدر. وفى جميع أنحاء العالم لا تدخل عناصر «أصله غلبان، حرام عليكم»، أو «ربنا عايز كده» شريكاً فاعلاً جنباً إلى جنب مع اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأرواح على الطرق.
إحصاءات منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن 12 ألف حياة تُفقَد على الطرق سنوياً بسبب حوادث المركبات. وتشير المنظمة إلى أنه رغم وجود قوانين خاصة بالسرعة، وحزام الأمان والخوذة، فإنها «تعانى ضعف التنفيذ».
ضعف التنفيذ ليس سُبة أو فضيحة طالما نحن قادرون على العلاج. والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء يخبرنا أن السبب الرئيسى لوقوع حوادث الطرق هو العامل البشرى. ونحو 2٫9 فى المائة من الحوادث سببها حالة الطرق، وهنا لا يسعنا إلا توجيه كل التحية لشبكة الطرق الجديدة الرائعة.
لكن التحية لن تكتمل دون الضغط والمطالبة والإصرار على تصحيح مسار المرور فى مصر. وإذا كانت الأرقام تشير إلى أن العامل البشرى هو السبب الأكبر فى وقوع الحوادث، فإن العامل البشرى الآخر الذى ترك العامل البشرى الأول يتسبّب فى وقوع هذه الحوادث مسئول مسئولية كبرى.
استشارى الطرق دكتور أسامة عقيل قال فى عام 2019 إن سيارات النقل كبيرة الحجم، التى تشكل 20 فى المائة من إجمالى المركبات على الطرق واختلاطها بالسيارات العادية على الطريق يؤدى إلى ارتفاع احتماليات وقوع حوادث، و40 فى المائة من حوادث مصر أحد طرفيها شاحنة.
استيقظنا يوم الخميس الماضى على خبر تصادم سيارة نقل بنحو ست سيارات على الطريق الدائرى الأوسطى فى حلوان. فقد شخصان حياتهما، وأصيب ما لا يقل عن ستة آخرين فى الحادث المروع. وهو ليس حادثاً غريباً أو مثيراً للدهشة، لأنه يقع بصفة دائمة. والنتيجة أن مشاعرنا لا تلتهب إلا بالحد الأدنى المطلوب للالتهاب وهو مائة قتيل إلى 150! كما أن عامل «القضاء والقدر» رغم عظمة معناه، فإن الإفراط فى تعميمه والارتكان عليه لاستدامة الإهمال والتقصير يجعل من المرور فى مصر وقتلاه شراً لا بد منه.
ومن يرغب فى بدء المواجهة ليس عليه إلا نزول الشارع -أى شارع- فى سيارة وليس بموكب. فى كل شارع سيارات ملاكى دون لوحات أرقام، تروسيكلات وتكاتك لا أصل لها أو عنوان، دراجات نارية يقودها عيال، باصات نقل عام وميكروباصات تبحث عن فريسة تقتلها، سير عكسى نهاراً جهاراً، سرعات جنونية لم يفلح معها رادار أو ملصق إلكترونى، وقوف فى الممنوع، باعة توسّعت أطماعهم الاستعمارية فتعدّت الأرصفة إلى عرض الشارع، والقائمة طويلة.
طول القائمة يعنى أن العنصر البشرى المتسبّب فى الحوادث يحتاج عنصراً بشرياً فولاذياً يحول دون وقوع هذه الحوادث. هذا العنصر الأخير يحتاج منا كل الدعم والمساندة. ويحتاج تدريباً وتأهيلاً على تنفيذ القانون بحسم وصرامة على الجميع ودون خرق للقانون، وقبلها تأهيلاً للإيمان بوجوب تطبيق القانون، لأن فاقد الإيمان قد يطبق شعائره لكن دون اقتناع.