توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تسليم أهالی

  مصر اليوم -

تسليم أهالی

بقلم - أمينة خيري

تتردد فى الشارع هذه الآونة عبارة «إحنا متسلمين تسليم أهالى»! وهى عبارة لو تعلمون دالة ومرعبة، دالة لأنها تعكس أن الوضع بالغ السوء، ومرعبة لأن كل من يستخدمها يقصد معانى مختلفة عن الآخر.

المزاج العام هذه الأيام ليس على ما يرام، ونبرات التفاؤل وتشجيع النفس والآخرين على التحمل والنظر إلى المستقبل لم تعد واضحة كما كانت، والشعور العام بالضغط الشديد بات واضحاً، والمسألة ليست تذكرة مترو زاد سعرها فقط، أو أقاويل تتردد عن زيادات فى البنزين والكهرباء وما خفى كان أعظم، كما أنها ليست فى ضبابية رؤية تتعلق بالتعليم، أو غموض وضع خاص بتفاصيل الحياة اليومية التى يسودها قدر هائل من الفوضى والعشوائية فقط، الوضع برمته ليس بخير.

هناك قدر كبير من التبرم بين المصريين، كل فى مجاله وكل لأسبابه، لكن المحصلة النهائية هى أن الحال لا يسر عدواً أو حبيباً، أعداؤنا نعرفهم جيداً ولا نريد أن ندخل فى مهاترات بأن كل من انتقد وضعاً أو اعترض على حال هو إخوانى أو كاره للبلاد، جموع المصريين الذين تجرعوا المر على مدار سنوات ما بعد ثورة يناير 2011، بسبب مؤامرات خارجية أو خيانات داخلية، أو ضريبة انسحاب الدولة على مدى عقود لصالح جماعات وجمعيات أخذت على عاقتها مهمة إطعام قطاعات من المصريين، وتعليمهم ورعايتهم صحياً والسيطرة على أدمغتهم فكرياً، أو حتى فى تجرع الدواء المر من إجراءات اقتصادية شديدة الصعوبة يجدون أنفسهم اليوم بلا سند أو داعم.

الدعم المطلوب ليس دعماً عينياً عبر بطاقة تموين أو مالياً للأسر الأشد فقراً فقط، والسند المنشود ليس فى جمعية تشحذ عليهم وتتسول باسمهم وباسم مرضاهم كما يحدث بشكل بالغ على مدار الساعة الرمضانية، وأظن أن ما أظهره هذا الشعب من جلد وصبر فى هذه السنوات السبع العجاف من شأنه أن يبهر الجميع، لكن توقع المزيد من الجلد والصبر لا سيما فى ظل انطفاء الضوء المرجو فى نهاية النفق أمر خطير لأنه غير وارد.

لم يكن من الوارد أو المتوقع أن نحقق نهضة اقتصادية عظمى يشعر بها الشعب فجأة، كما لم يكن من المنتظر أن ينصلح ما انعوج من أمور بين سنة وضحاها، لكن كان المتوقع أن تظهر مؤشرات تقول للشعب بطريقة أو بأخرى إن تغييراً ما إيجابياً طرأ على حياتهم، قد يكون هذا التغيير ضبطاً وربطاً فى الشارع، أو سيطرة حقيقية على أسواق جن جنونها وتجار باتوا يرفعون أسعار السلع والمنتجات خارج سياق المنطق، أو تحسناً فى خدمات حكومية من تجديد رخص وإنهاء أوراق نقل الأبناء من هذه المدرسة إلى تلك أو ما شابه.

توقع المصريون حياة صعبة فى تفاصيلها الاقتصادية لكن تسير نحو انفراجة من حيث ضبط أمورهم الحياتية تدريجياً، لكن طال الانتظار، ولم تتحقق سوى التفاصيل الاقتصادية الصعبة، أو بالأحرى بالغة الصعوبة دون محفزات أو مقويات تساعدهم على تجرع الدواء المر.

صحيح أن الرئيس يوجه بين الحين والآخر بالسيطرة على الأسعار، وصحيح أن الأخبار تطالعنا بين الوقت والآخر بتوجيهات وزارية بسيارات متنقلة تبيع سلعاً غذائية مخفضة، لكن هذا لا يكفى أبداً، مع العلم أن المتضررين لم يعودوا فقط تلك الطبقات القابعة فى قاعدة الهرم، بل امتدت لتصل إلى متوسط الهرم، هذه الطبقة المتوسطة (الله يرحمها) متروكة نهباً لسعار الأسعار وجشع التجار، والجميع متروك لشيوع البلطجة والعشوائية فى تفاصيل الحياة اليومية، وهو شيوع فهمه البعض بأنه رسالة من الدولة مفادها أن من يقدر على البلطجة فليكن، ومن يجد فى نفسه الموهبة ليضيف إلى بحر العشوائية فمرحباً.

والترحيب بالطبع هنا ترحيب رمزى متمثل فى تركنا نخبط فى بعضنا البعض، عربات كارو على طريق السويس، توك توك فى أرقى أحياء القاهرة، رشاوى لإنجاز الأعمال الصغرى، سياس يسيطرون على الشوارع، جيوش مجيشة من المتسولين والمتسولات فى كل حدب وناصية، إشارات مرور تكلفت ملايين معطلة عن العمل، عربات مترو أنفاق (الخطين الأول والثانى) وكأنها سوق الثلاثاء، أسواق لا كبير لها إلا كبار التجار، إعلانات رمضانية ترسل رسالتين لا ثالث لهما: أننا أمة من الفقراء والمتسولين ولا تعتمد إلا على أموال وأطعمة وعلاجات أهل الخير تهيمن عليها جمعيات تتلقى تبرعات بالمليارات، أو أننا أمة من المليونيرات حيث نجوم الفن والكرة وإعلانات مليونية تثير غضب الشعب وحنقه.

هناك شعور عام بالسيولة، وهى بالطبع ليست سيولة مادية، لكنها سيولة معيشية، فلا مستقبل التعليم واضح، أو حاضر الأسعار مفهوم، أو رؤى ما عشمنا به أنفسنا من تجديد خطاب دينى أو تطبيق قانون أو ضبط زوايا الوطن بوجه عام مفعلة.

ولهذا تتردد عبارة إننا «متسلمين تسليم أهالى» تارة قاصدين التجار، وأخرى من بيدهم تطبيق القانون لكنهم لا يفعلون، وثالثة لمن ظننا أنهم سيطورون ويحدثون لكنهم رافضون متشبثون بالماضى السحيق، ورابعة كل ما سبق!

المصدر : جريدة الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسليم أهالی تسليم أهالی



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon