بقلم : أمينة خيرى
لسان حالهم يقول «الخيل والبيداء والفيسبوك تعرفنى»، ولسان حال الواقع يقول إن ما صنعته الشعوب فى عقود، ضيعه محتوى مواقع تواصل اجتماعى فى شهور، ولسان حال الإعلام التقليدى يبكى على لبن المصداقية المسكوب ومعه تاريخ من الاحتكار مسلوب، ما بدا أنه حديث ثرى -كما جرت عادة منتدى الإعلام العربى تحت رعاية نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وبرئاسة القديرة المدير العام للمكتب الإعلامى لحكومة دبى ورئيس نادى دبى للصحافة ورئيس اللجنة التنظيمية لمنتدى الإعلام العربى السيدة منى المرى- عنوانه «تحولات إعلامية مؤثرة» أصبح أكثر ثراء بتحويل الدفة بشكل شبه كامل للتطرق إلى «الأخبار الكاذبة».
الأخبار الكاذبة والمضللة والخالطة بين الكذب والواقع أصبحت حديث الساعة، لأنها باتت متحكمة فى مصائر شعوب وبلدان، فمن انتخابات الرئاسة الأمريكية وما يثار حول تدخل روسيا العنكبوتى فى ترجيح كفة الفائز إلى ميليشيات الإخوان الإلكترونية وخلق واقع افتراضى لا يمت بصلة للواقع على الأرض، وانتهاء بما يجرى على أرض سوريا وقبلها العراق ومعها اليمن والبقية تأتى من انتشار جرثومى لجماعات مقاتلة تارة بمسمى الديمقراطية وأخرى تحت راية الشريعة والشرعية.
شرعية الأخبار المتداولة على منصات التواصل الاجتماعى ارتكزت فى البداية على انتشار فائق السرعة لتلك الأداة التى دمقرطت المعلومات وأتاحت رفاهية التنظير والتحليل ومن بعدها اختلاف واقع مواز لمن لا صوت له، وبعد السكرة جاءت الصدمة، مصائر دول وحياة ملايين تتحكم فيها دقات زر غير معلومة الهوية أو محددة المكان، أخبار وتحليلات وصور ومقاطع فيديو يتم تحميلها، ومعاودة مشاركتها، و«لايك» و«شير» دون تعقل أو تدبر أو تفكر لتنافس الواقع ثم تطرحه أرضاً فارضة هيمنتها وباسطة سلطتها.
المنتدى فى دورته الـ17 استفاض فى مناقشة آفة الأخبار الكاذبة، وهى الآفة التى ضربت دولاً عدة فى منطقتنا العربية، ومنها مصر بالطبع، وعانت منها الملايين الأمرين تارة بأذرع إعلامية لجماعات مارقة ادعت لنفسها الشرعية وحاربت باسم الشريعة، وأخرى عبر حسابات وهمية وأخرى موجهة وغرضها إطباق سيطرتها على الأرض من باب «حرية التعبير» و«ديمقراطية المعلومات» التى أتاحتها شبكات التواصل الاجتماعى.
لكن القائمين على أمر شبكات التواصل الاجتماعى أنفسهم واجهوا الحقيقة المرة، ولكن بعد ما نالت سمومها من دول العالم الأول، بدءاً بأمريكا مروراً ببريطانيا والبقية تأتى. متحدثون باسم «فيسبوك» و«تويتر» و«جوجل» تحدثوا عن الإمكانات الهائلة التى تقدمها منصاتهم، لكنهم اعترفوا فى الوقت نفسه بالإساءات الهائلة أيضاً التى لحقت بهذه المنصات عبر استلابها من قبل القائمين على أمر الأخبار الكاذبة.
مراراً وتكراراً كرر المسئولون أن منصاتهم تقنية ولا علاقة لها بالمحتوى، لكنهم عادوا ولم ينفوا مسئوليتهم المهنية والأخلاقية التى تحتم عليهم أن يكونوا طرفاً فى مواجهة الفبركة والأكاذيب المهيمنة على المنصات.
وبينما البعض من عالمنا العربى يتحدث عن القوانين الحاكمة التى ينبغى أن تحاكم الكاذب والمضلل والمفبرك (وفى هذا استحالة نظراً لطبيعة الشبكة العنكبوتية غير الخاضعة للسيطرة أو الهيمنة الفعلية نظراً لطبيعتها الافتراضية)، وآخرون يتحدثون عن توعية إعلامية وتثقيف إعلامى للشباب الذى يشكل القاعدة العريضة من مستخدمى ومستهلكى الأخبار العنكبوتية (وربما أيضاً القاعدة العريضة من صانعيها ومصدقيها ومروجيها) يمضى جانب آخر من الكوكب قدماً فى حياته العادية وكأن شيئاً لم يكن.
صحيح أن قادة العالم الأول والمنظمات الأممية وشركات التواصل الاجتماعى تعمل على «تصحيح مسار الأخبار المفبركة»، لكن حياة الشعوب لا تتوقف على أبواب التنظير العنكبوتى (24/7)، ومصائر الدول لا تقف على محك جماعات إرهابية تصنع واقعاً لا وجود له، ومستقبل الصغار لا تدهسه أذرع إعلامية عنكبوتية تخلط الصالح بالباطل وتقدم الخبر الكاذب على طبق من أثير ذهبى، ليتلقفها «متنبى» العصر مردداً «الخيل والليل والفيسبوك تعرفنى»!
نقلاً عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع