بقلم : أمينة خيري
سبحان مقسم الأخبار ومعيد ترتيب الأولويات وموزع أسباب الهلع ومصادر القلق وعوامل الشد والجذب والهات والخذ والهرى والهرى الآخر. بين ليلة وضحاها، تحول الاهتمام، وانقلب حال القيل والقال من أقصى يمين ماذا يحدث في ليبيا وماذا يفعل أردوغان هناك، ومن الذين يجرى نقلهم من فصائل موالية لتركيا من سوريا إلى ليبيا، وماذا يجرى في شمال سوريا من تقطيع ملابس أممية على أرض سورية بدون اعتبار للنظام السورى، وتحديداً في شمال سوريا، وماذا يجرى في غزة وما مصير علاقات فتح بحماس، وأثر ذلك على القضية والغارقين في القضية والمحسوبين عليها والمطالبين بحل القضية، وماذا ألمّ بـ«الثورة» في لبنان، وإلى أي مآل وصل غضب المحتجين وثورة الثائرين والطوابير المصطفة أمام المصارف، وما مصير التراشق اللفظى والتصعيد الكلامى والتنابز بالنووى بين إيران وقوى غربية وأخرى إقليمية والمد الشيعى والجزر السنى؟!
وإذا كانت هذه الأخبار والتطورات المصيرية اختفت من على الساحة الإخبارية والإعلامية، ومن ثم الشعبية والفيسبوكية والتغريدية، فما بالك باليمن «السعيد» الذي نسى البعض أن هناك بلداً بهذا الاسم يتجرع مرارة الصراع على أرضه والاقتتال على أشياء لا علاقة لها بحرية الشعب وديمقراطية الحكم وعدالة الحاكم وحقوق المحكومين؟!
حتى وكسة بريطانيا فيما يتعلق بـ«بريكست» ومصير اقتصادها وشعبها وسياساتها في ضوء الخروج من مظلة الاتحاد الأوروبى، واحتجاجات فرنسا التي استمرت ما يزيد على 30 «ويك إند» وستراتها الصفراء وشرطتها والقطاع الغاضب من شعبها، ومسلسل التراشقات حول التجهيز للانتخابات الرئاسية الأمريكية، المقرر عقدها في نوفمبر المقبل والضرب تحت الحزام وفوقه وحوله وفوز لمرشحين غير متوقعين هنا وإخفاق هناك، والمنافسات المحتدمة في الثلاثاء الكبير الأول ثم الثانى، كل ذلك تراجع وتقهقر على مدار الأيام القليلة الماضية.
ورغم أن رجل روسيا القوى جداً بوتين يعد من الاستثناءات النادرة في ظل الهوجة الحالية، والتى رفعت شعار «العمل كالمعتاد» أو Business As Ususal
في إشارة إلى المضى قدماً فيما كان يفعل من تحركات في سوريا، ولى أذرع في تركيا، ومغازلات لا تخلو من مهاترات مع أمريكا وعين على ليبيا ويد في سوريا وقدم في أوكرانيا، بل وتمكنه من اتخاذ خطوات فعلية نحو تصفير العداد الرئاسى ورفع احتمالات ترشحه مجدداً للرئاسة بعد انتهاء المدة الحالية في 2024، إلا أن أخبار روسيا أيضاً- أو ربما الاهتمام بها- تقهقرت أمام غزوة الفيروس.
وسواء كانت الغزوة مبالغاً في تقدير وطأتها، أو أنها فعلاً رهيبة وذات آثار وخيمة، وسواء كان الفيروس مؤامرة أو مبالغة أو مصيبة أو مخلّقاً أو حرباً بيولوجية أو أداة مصارعة اقتصادية إلى آخر القائمة، فإن مجرد متابعة اهتمامات البشر وأولوياتهم وبؤر قلقهم ومصادر غضبهم على مدار الشهرين ونصف الشهر الماضية أمر جدير باستخلاص الدروس الثاقبة.