بقلم : أمينة خيري
من أكثر التجارب إثارة وفائدة متابعة الأحداث عن بُعد، شرط ألّا تكون انتقائية. حين تتابع صراعًا دائرة رحاه مثلما بين أرمينيا وأذربيجان والدور التركى فيه، وتصول وتجول فى الإعلام والبيانات الرسمية ومواقع التواصل وما يقوله المحللون فى أذربيجان وأرمينيا وتركيا وسوريا، تتكون لديك صورة خلابة ذات تفاصيل تبدو بالغة التعقيد والتشابك، لكنها تسلط ضوءًا ساطعًا على ما وراء الأزمات وما تعنيه بعيدًا عما لا يُقال على المنصات. وشرط المتعة والاستفادة هو التجرد من المواقف المسبقة، سواء كنت تعتبر أرمينيا ضحية على طول الخط ولأسباب تاريخية، أو أن أذربيجان دولة محتلة، أو أن تركيا تصطاد فى المياه العكرة، أو أن «المقاتلين» (المرتزقة) السوريين يسددون فواتير غيرهم. مثال آخر تدور رحاه هذه الآونة هو إصابة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وزوجته بفيروس كورونا. بالطبع نتمنى لهما الشفاء العاجل. لكن نتأمل ونتابع كذلك ردود الفعل على الإصابة. لم تخرج الجماهير الغفيرة أو العناوين العريضة، مُهلِّلة: «بالروح والدم نفديك يا ترامب»، كما لم يتأخر الإعلان عن إصابتهما بالفيروس. وأيضًا لم يخرج علينا الإعلام منوهًا بأنه أُصيب بدور برد، أو التوت قدمه، أو التهب رسغه على سبيل التمهيد. من جهة أخرى، فإن التحليلات السياسية تتواتر بحسب توجه كل جهة وانتماء كل مدرسة، فهناك مَن رأى أن الإصابة بالفيروس ستؤثر على ملف تعامل الإدارة الأمريكية مع الفيروس، والتى ينتقدها كثيرون ويعتبرونها ضعيفة وغير مدروسة ومُقلِّلة من حجم الفيروس وآثاره على الرغم من خطورته وانتشاره، ولاسيما فى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصل مجموع الحالات إلى 7.3 مليون إصابة والوفيات 209 آلاف. البعض بالطبع أشار- ولكن دون سخرية وتنمر- إلى دور ترامب نفسه فى التقليل من شأن الفيروس، بل سخريته من الإجراءات الاحترازية التى يتبعها البعض.
لكن حتى هذه الأصوات لم «تفرش الملاية» فى الإعلام التقليدى. «فرش الملاية» بالطبع عمرت به وسائل التواصل الاجتماعى، وهو فرش تلون من ألفه إلى يائه بألوان التوجهات السياسية والتفضيلات الخاصة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. وليس خفيًا على أحد أن معارضى ترامب ومؤيديه لا يقتصرون على أبناء الشعب الأمريكى، لكنهم فى كل أرجاء المعمورة. وكلٌّ يعاديه أو يؤيده استجابة لتوجه وانتماء شخصيين، فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن جماعة الإخوان ومحبيها يعارضون ترامب بشدة، ويؤيدون مَن يقف فى مواجهته بغض النظر عن اسمه أو مسيرته. والمشهد التحليلى لإصابة ترامب وزوجته متخم. لكن أكثر ما يلفت النظر حتى اللحظة مشهدان: الأول عدم قدرة البعض فى الإعلام الغربى «الرصين» على إخفاء توجهه الشخصى تجاه ترامب، والثانى تنويه البعض فى مصر بأن الإصابة «اشتغالة» أو «إلهاءة» أو «لعبة سياسية»، وهو ما يؤكد أن الخلفية الثقافية والعادات والتقاليد حاكمة!