توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البناء والهدم وتعريف النصر

  مصر اليوم -

البناء والهدم وتعريف النصر

بقلم:أمينة خيري

استبشرت خيراً بكل كلمة وردت فى رؤية «بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى». الإنسان سيظل، رغم أنف الذكاء الاصطناعى والتطبيقات والمنصات والرقمنة والأتمتة وغيرها، هو أساس وقاعدة وكلمة السر فى أى بناء فى أى وطن.

البناء ليس «أسمنت وخرسانة وحديد» فقط، حتى لو كان البناء الأروع والأجمل، ومهما راعى طبيعة المكان وتاريخه وجغرافيته. كما أنه ليس البنى التحتية فقط، من طرق ومواصلات ومستشفيات وطاقة واتصالات ومدارس، وكل ما من شأنه أن ييسر الأنشطة الاقتصادية، ويوفر الوقت والجهد للمواطنين وللمؤسسات.

جزء أصيل من البناء هو الإنسان، إن لم يكن لأن الإنسان يستحق أن يحظى ببناء معرفى وثقافى وسلوكى وأخلاقى وتعليمى وعلمى يليق بالإنسانية، فلأن الإنسان غير القادر أو غير الراغب أو غير المؤهل للتعامل مع هذه البنى التحتية العظيمة والرائعة لن يسىء استخدامها، ويبخسها حقها فقط، بل ربما يعتبرها منافساً له على لقمة العيش أو عدواً له كان هو الأحق منها ليأكل ويشرب وينجب المزيد من العيال. ببساطة شديدة، المواطن الذى لم يتم الاستثمار فيه هو قنبلة موقوتة ستنفجر حتماً فى وجه البناء والتشييد والرقمنة والخدمات والإنجازات.

أعود إلى «بداية جديدة لبناء الإنسان المصرى» وأقول إن الحديث عن برنامج عمل يستهدف تنمية الإنسان، وترسيخ الهوية المصرية، وتنسيق الجهود بين كل الجهات فى كل أرجاء مصر من وزارات وغيرها حتى يشعر المواطن بالمردود الإيجابى فى فترة قصيرة كلام جميل وكلام معقول.

كما أن ما ورد فى برنامجها من إشارة إلى بناء الوعى، وإعداد أجيال تتمتع بقيم الانتماء لمصر، والحفاظ على مقدرات الوطن، والمشاركة الحقيقية فى التنمية رؤية أكثر من رائعة.

والحقيقة أن المبادرة تأتى فى وقتها تماماً، وذلك بعد ما أدت الأحوال الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والشيزوفرينيا الدينية إلى ترد كبير فى تركيبتنا وسلوكياتنا وانتماءاتنا واهتماماتنا. وأضيف إلى ما سبق ما يجرى حولنا، سواء إقليمياً أو عالمياً، من مجريات حروب وصراعات وغيرها من قلاقل عنيفة، وقد نالنا منها نصيب كبير، فأمعنت فى إحداث المزيد من الخلل. إنه الخلل الذى يتضح فى تعاملاتنا اليومية، وتصرفاتنا فى الشارع، وأولوياتنا التى أصف الكثير منها بالالتباس والضبابية.

بالطبع تأهيل الكبار لمتطلبات سوق العمل، وصقلهم بالمهارات والتدريب هدف عظيم، ومن شأنه أن يسهم فى التخفيف من حدة الأوضاع الاقتصادية الموجعة، لكن أتمنى أن تشتمل فعلياً خطة «إعادة بناء الإنسان المصرى» على قدر وفير من ضبط زوايا السلوك، وتطهير الفكر الذى جعل التدين مقتصراً على الملابس والميكروفونات والعنف اللفظى والسلوكى مع كل مختلف، بالإضافة إلى الفصل التام بين الجوهر والمظهر، مثل أن نقيم زاوية للصلاة فى داخل مول تجارى وتصبح محط الإعجاب ونقطة جاذبة للتبرع بالمراوح والسجاد والمصاحف، فى حين أن المول محاط بالقمامة والمخالفات والإشغالات والروائح الكريهة والقبح المعمارى من كل صوب وغيرها الكثير.

أتمنى كل التوفيق لكل ضالع ومسئول ومشارك فى «بداية»، التى أعتبرها المكون الرئيسى لإعادة بناء مصر وتطهيرها مما علق بها من شوائب وأتربة وفيروسات.

وفى السياق نفسه، أرى اهتمام مواطنين عاديين، لا هم معماريون أو متخصصون فى الآثار أو دارسون للتاريخ، بما يجرى من هدم بمناطق أثرية، أحدثها هدم قبة حليم باشا التاريخية فى منطقة السيدة عائشة، علامة من علامات الوطنية والانتماء والتمسك بالهوية. هذا أمر رائع حقاً. والأروع أن نعرف أسباب الهدم، ونطلع على ملابساته، ونعرف الخطوات التى سيتم اتخاذها فى هذا الشأن، وهو شأن وثيق الصلة بـ«بناء الإنسان المصرى»، واستعادة ارتباطه بأصله لا أصل غيره، وتاريخه لا تاريخ الجيران، وهويته لا هويات هجينة.

الانتصار الحقيقى المرجو لمصر والمصريين هو النجاح الفعلى فى إعادة بناء الإنسان المصرى بناءً مدنياً سلوكياً معرفياً علمياً، فإذا نجحنا فى ذلك فعلاً لا قولاً، فإن النصر حليفنا.

وبمناسبة الحديث عن النصر، ولولا فداحة المشهد وبؤس الموقف، لقلنا إن متابعة ومراقبة المتنازعين على إعلان النصر فى الحرب الضروس التى تمددت من غزة إلى لبنان وأماكن وجود وكلاء حزب هنا وجماعة هناك أمر مثير حقاً. إسرائيل المعتدية الغاشمة المتغطرسة تقول إنها تنتصر. وحماس وحزب الله والحوثيون وإيران يقولون إن المقاومة تنتصر. والمؤسف والمرعب أن كل منتصر له قواعد شعبية فى شتى أرجاء الأرض يهلل لانتصار هذا وهزيمة ذاك، بينما أهل غزة تجرى إبادتهم دون هوادة، وأهل لبنان بين شقى رحا الجميع على مدار الساعة.

يجادل البعض أنه من المبكر إعلان المنتصر والمنهزم، لكن المشكلة لا تكمن فى توقيت الإعلان، بقدر ما هى فى ثمن الانتصار وكلفة الهزيمة. يقول البعض إنه حتى لو كان الانتصار الوحيد هو إعادة القضية الفلسطينية إلى جدول أعمال العالم، فهذا يكفى. وربما يجدر بنا أن نستطلع آراء أصحاب الشأن من أهل فلسطين ولبنان ودول الجوار عن رأيهم وتعريفهم أيضاً فى النصر والهزيمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البناء والهدم وتعريف النصر البناء والهدم وتعريف النصر



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon