بقلم : أمينة خيري
كنت من أشد المستبشرين والداعمين لمنصات التواصل الاجتماعى منذ عصر الـ«بلوجز» (المدونات) فى منتصف الألفينات. اعتبرتها متنفس الهواء غير القابل للإغلاق لكل من لا نافذة له. كتبت ودافعت عن هذه المنصات التى أخذت فى الانتشار، معطية صوتًا لكن لمن لا صوت له. وكنت شاهد عيان على نداءات القائمين على أمر تكنولوجيا المعلومات ورقمنتها فى العالم والمطالبين بتيسير توصيل ملايين البشر حول العالم بالشبكة، باعتبارها غذاء الروح وإكسير الفكر. مؤتمرات وندوات وورش عمل ولقاءات بحثت واتخذت خطوات وفَعَلت «دمقرطة المعلومات»، لكن ما يجرى هذه الآونة لم يكن على البال أو الخاطر.
«دمقرطة المعلومات» هذه الفكرة العبقرية القائمة على «حق» الوصول للمعلومات والبيانات لكل إنسان، دون حراس بوابة يقومون بمهمة «حشر» المعلومة فى عنق الزجاجة المعلوماتية ما يعيق وصولها لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ما شابه. بمعنى آخر المعلومات متاحة للجميع عند أطراف أصابعهم! واشتمل مفهوم «دمقرطة المعلومات» كذلك على تمكين الجميع دون استثناء من صناعة المحتوى المعلوماتى دون حواجز أو عراقيل أو تدابير.
بدت الفكرة فى حينها عبقرية. ظننت أن هذا هو ما ينقصنا. عقود من فرض الوصاية على الرأى، وبسط الهيمنة على التوجه، ووضع العراقيل أمام التعبير والإبداع بطرق شتى، منها ما هو مباشر من رقابة وحجب ومنع، ومنها ما هو غير مباشر عبر ترهيب العقل وتخويفه من التفكير.
لكن، وآه من ولكن. أجد نفسى هذه الآونة، وبينما أزمة كورونا آخذة فى التطور والتغير بينما نتكلم، أراجع قناعاتى السابقة وأحاسب نفسى على هذا «التهور» فى الحماسة. أتابع ما يدور على أثير «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«إنستجرام» و«تك توك».. وغيرها، ويكاد رأسى ينفجر. طوفان هادر من «المعلومات» بأنواعها وأشكالها، ما صلح منها وما طلح، والنصائح والحكم والمواعظ، والآراء والتوجهات، والمكايدات، والنظريات، لا أول لها أو آخر. وبالمناسبة هذا الطوفان عالمى، وليس حكرًا على مصر.
وحين يتعلق الأمر بالنقاش حول نظام سياسى، أو تفنيد أبعاد إجراء اقتصادى، أو سجال حول جماعات مجرمة مثل «داعش» أو غيرها، فوارد أن يمسك المستخدمون بخناق بعضهم البعض بين مؤيد ومعارض ومندد إلى آخر القائمة. لكن حين يشهر فيروس كـ«كورونا» أسلحته الترويعية متربصًا بشعوب المعمورة، فإن طوفان «المعلومات» والفيديوهات والآراء الصحية ووجهات النظر الطبية يكون فيه سم قاتل.
صحيح أن الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعى تقوم بدور عظيم فى الإعلان والإعلام والتوعية الصادرة عن مصادر صحية موثوق فيها، لكنها فى الوقت نفسه تموج بكم مذهل من المكايدات السياسية المتنكرة فى زى معلومات صحية، وإفتاءات فردية تعرض نفسها باعتبارها معلومات سرية موثقة، ونصائح مرتكزة على موروث مفهوم من التشكك فى كل ما هو رسمى، واعتبار النفى تأكيدًا والعكس.
«ماذا فعلنا بدمقرطة المعلومات؟».. سؤال يحتاج إلى دراسة بعد انقشاع الفيروس.