بقلم : أمينة خيري
القول بأن أمريكا ليست وحدها التى تعانى العنصرية ضد السود وغيرهم لا يعنى التقليل من مأساة مقتل المواطن الأمريكى جورج فلويد. لكنه ربما يعنى أن الأجدر بأولئك المحموقين والمحموقات أن يبدأوا بأنفسهم ليكونوا قدوة تتبعها الدول العنصرية لتصحح مسارها، ومثالاً أعلى لعل اليمين المتطرف يرتدع ويتعظ. الأيام الماضية حفلت بكم هائل من النقاشات من قبل أصدقاء وصديقات يهيأ لى أحياناً أنه لا ينقصهم سوى «جوز جناحات» وشحنة من هالات الإيمان لتكلل المشهد النورانى الروحانى.
الجميع يندد ويشجب وينقب فى تاريخ أمريكا من العنصرية الممنهجة وحقوق السود، ومنهم من عرج إلى كراهية المسلمين وكيف أن كثيرين فى أمريكا يمقتون الإسلام والمسلمين فى قرارة أنفسهم، حتى لو لم يعبروا عن ذلك بالفعل أو القول، وكيف أنه تكفى تلك النظرات التى يوجهها البعض للأخوات المحجبات والمنقبات والتى تعبر عن مكنون ازدراء... إلخ.
وحين ترد على أحدهم أو إحداهن أن لدينا الآلاف من الصبية فى الشوارع ممن يمطرون أصحاب البشرة الداكنة لدينا، سواء من المصريين أو غير المصريين، بتعليقات سخيفة سمجة وأفعال قبيحة، بدءاً من «قشطة» ومروراً بـ«هباب» وانتهاء بالتنمر الجسدى، وأحدثها الذى عرف طريقه إلى الإعلام كان فى نوفمبر الماضى، حين تحرش وتنمر مجموعة صبية بطفل من جنوب السودان بسبب لون بشرته، يدافع بسرعة: «هذه حالات فردية وليست ممنهجة. تخبره أن أفلامنا متخمة بترسيخ صور ذهنية عن كون أصحاب البشرة الداكنة بوابين وسفرجية أو مثاراً للإفيهات والتنكيت السمج، فيصعد من دفاعه قائلاً: هذه كوميديا بريئة. تخبر إحداهن أو أحدهم أن غير المحجبة أصبحت تتعرض للعنصرية فى مصر فتهرع المجموعات للدفاع عن الدين والمتدينين وتمطرك التعليقات المعتادة التى تدس سم الترهيب فى عسل التدين: والله لو واحدة رافضة شرع الله هى حرة، بس واجبنا نحذرها، وكون البعض يبالغ فى التحذير أو يغلبه حماسه الدينى والتزامه لا يعنى أن هناك عنصرية ممنهجة ضد غير المحجبات كتلك التى يعانيها المسلمون والسود فى أمريكا. تكتب أن ما يجرى فى أمريكا من عنصرية يعتبرها البعض ممنهجة فى جهاز الشرطة ضد السود لا يختلف أبداً عن عنصرية ممنهجة لدى البعض هنا ضد غير المسلمين تبدأ بالدعاء للمسلمين فقط وتمر برفض واستنفار واستنكار لشعائر غير المسلمين وتنتهى بحوادث متفرقة من حرق دار عبادة هنا أو بيت أحدهم هناك ثم حلها باتفاق عرفى على كتم وكبت ومنع هذه الشعائر التى تأذى مشاعر المسلمين، فتمطرك الردود منها ما يرتدى أجنحة التسامح، حيث إنكار حدوث ما تكتب، ومنها ما يخلع برقع الحياء ويخبرك عينى عينك بأن الأغلبية لها الغلبة وأن الآخرين راضون بذلك. كل المطلوب هو نظرة فى المرآة قبل أن نشمر عن سواعدنا و»نأفور» فى التنديد بالعنصرية الممنهجة خارج حدودنا.