بقلم : أمينة خيري
تصر الأحداث أن توقظنا من غيبوبتنا، لكن هيهات. «سيدة السلام» تم إنهاء حياتها لأن آخرين لم يعجبهم تصرف قامت به أو قراراً اتخذته أو حياة عاشتها. وإنهاء الحياة هنا ليس بالضرورة قيام آخرين بإلقائها من الشرفة، أو إقدامها على ذلك هرباً من وحشيتهم المرتدية عباءة الأمر بالمعروف وجلباب النهى عن المنكر. لا يعنينى إن كان الرجل الذى دخل شقتها بائع أنابيب أو صديقا أو قريبا أو عشيقا، ولا نوع العلاقة. وكم من علاقات يعتبرها البعض حراماً، لكن رحاها تدور دون أن يدرى أحد طالما السرية قوامها والأنوف المدسوسة فيما لا يعنيها منشغلة بعلاقة أخرى. وبمناسبة الأنوف المدسوسة، أكرر ما كتبته قبل أشهر طويلة عن أننا نميل ثقافياً إلى التدخل فى شؤون الآخرين، بل و«اللغوصة» فيما لا يعنينا من أمور. «دفع مهر كام؟» «مرتبك كام؟» «ماخلفتوش عيال ليه؟» «شبكتك بكام؟» «إنت لابس/ لابسة كده ليه؟» وغيرها من سخائف الأسئلة والتى تعكس كماً معتبراً من الحشرية. وقد التحمت هذه الحشرية الثقافية بمفاهيم دينية عبرت حدودنا والتحمت بحشريتنا، وانتشرت انتشار النار فى الهشيم حتى اعتبر ملايين المصريين أنفسهم أعضاء فاعلين فى جماعة «هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». والغريب أن ما سبق تزامن وهوس رهيب بالجنس. اليوم، نجد أنفسنا بعد عقود من التنوير نعود إلى المربع الذى كانت تقف فيه أوروبا فى العصور الوسطى. إنه المربع الذى اعتبر «الآخر» هو اليهود والنساء والشيطان. وما التحرش الذى يعانى منه كل كائن أنثوى فى مصر إلا ترجمة للهوس بالجنس المرتدى جلباب الدين.
وما البرامج والفقرات والمواقع الإلكترونية والأسئلة الفياضة والفتاوى الرنانة عن المرأة وقواعد نكاحها وإمكانية نكاح غيرها دون أن يؤثر ذلك على نكاحها وتوقيت نكاح الصغيرة وكيفية نكاح المسنة وإمكانية نكاح الميتة واحتمالية نكاح البهيمة ورسائل النكاح التى ترسلها النساء عبر ملابسهن ومدى قدرة الحذاء على استثارة الرغبة فى النكاح وإن كانت ضحكة المرأة فى مكان عام تعنى أنها دعوة للنكاح إلا نتيجة حتمية للهوس بالجنس الناجم عن خلطة شيطانية اسمها تغلغل ما يتصور البعض أنه دين فى النفس الذى نتنفسه فى المحروسة.
الحادث يرمز للمجتمع المصرى الآن بدءا بـ«البواب» حامى شرف العمارة وسمعتها الدينية من أخطار النكاح غير الشرعى، مروراً بالجيران الذين يشوبهم رعب جبار من أن يتم تصنيفهم تحت بند «ديوث» (إحدى الكلمات المنضمة حديثاً للقاموس المصرى) وانتهاء بالمتابعين الذين يمصمصون شفاههم أسفا على المغدورة لكن يسارعون لاتخاذ مقاعدهم على دكة «شعب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر». ولا يسعنى سوى أن أفكر فيما يجول فى خاطر من ألقى القبض على المشتبه بهم، ومن يحقق أو يحكم عليهم، هل يتعاطفون مع المغدورة أم يثنون على من رفضوا أن يكونوا «ديوثا»، فالمجتمع واحد والجائحة واحدة.