بقلم : أمينة خيري
أما وقد انتهت فعاليات الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وذهب كل حى قال «نعم» أو فضل «لا» أو اختار ألا يشارك لأى سبب من الأسباب لحاله، فوجب علينا أن نشير إلى أن «الأفورة» في حياتنا وتفكيرنا وآرائنا وتوجهاتنا وسبل التعبير عنها أصبحت سمة من سماتنا. أفور المؤيدون للتعديلات في التعبير عن دعمهم وموافقتهم لدرجة جعلتهم يرون القبح الواضح في اللافتات والفجاجة الظاهرة في دى جيهات وشاشات وشوادر عملاقة تحث الجميع على عمل الصح جمالًا ورقيًا وسموًا. وأفور المعارضون للتعديلات في تصوير المؤيدين باعتبارهم إما مجموعات من العبيد مسلوبى الإرادة بدافع محبة الرئيس السيسى، أو جموعا من الغلابة مسلوبى الإرادة بدافع الفقر والاحتياج. كما أفور المقررون عدم المشاركة، سواء بدافع المقاطعة السياسية وإرسال الرسائل الاستراتيجية للقيادة السياسية أو بسبب الارتباط بمواعيد مسبقة أو أعمال لا يمكن تأجيلها أو كسل أو ما شابه. وطال فيروس الأفورة وسائل الإعلام والعاملين فيها، حيث تم النفخ في مظاهر المشاركة والتضخيم من حجم الإيجابيات وتجاهل أي سلبيات أو خروقات لسير عملية الاستفتاء مثل ترويج في محيط الحرم الانتخابى أو توجيه بأى شكل من الأشكال أو تحفيز من هنا أو هناك. ولأن فيروس الأفورة طال الجميع، فإن كلًا من المجموعات السابقة وغيرها لم يلحظ أفورته، بل ركز فقط على من وما حوله من مظاهر أفورة ما أنزل الله بها من سلطان، متناسيًا أو متجاهلًا أو متعاميًا عن أفورته الشخصية. وصدق أحدهم من هواة كتابة البوستات العميقة المستمد عمقها من واقعيتها المفرطة والمعتمدة في قوامها على روح السخرية التي أفورنا فيها هي الأخرى. «عروسة وعريس، واحدة بتولد، واحدة معاقة، واحدة رايحة على حصان، مطرب بيصب شاى، قطة بتنتخب!! ده منام وربنا مش استفتاء». صدق صاحب البوست العميق الواقعى. فقد رصد مشاهد ومظاهر عجيبة غريبة فريدة أغلب الظن أنها قلما تجتمع في شعب واحد. وسبب الغرابة وسر التفرد يقبع في تواتر الغرابات دون توقف. صورة فوتوغرافية لموظفة عابسة قلبت الدنيا، لأن الناخب كان البابا تواضروس ما اعتبره البعض قلة ذوق منها، وفسره آخرون في ضوء الهسهس الدينى الذي ينهش الجذور في مصر. راقصة أصبحت مشهورة بعدما دخلت معترك السياسة من نوافذ المعارضة الفنية عبر رقصات شارعية وقنوات فضائية عجيبة أقامت لجنة انتخابية أخرى رأسًا على عقب هي وكلبها بتكالب الجميع لالتقاط الصور الفوتوغرافية لها وتضاريسها الجسدية. أحيانًا تكون الأفورة في محلها بعض الوقت، وتحت وطأة ظروف طارئة أو أحوال ضاغطة.
لكن أن تتحول إلى أسلوب حياة، وطريقة نقاش، وقاعدة من قواعد التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، فهذا هو عين الفشل وتعريف الإخفاق. وأغلب الظن أن المأفورين هم فئات لا شغلة لهم أو مشغلة، فالأفورة تحتاج وقتًا وتستغرق جهدًا. وأن تكون مأفورًا على مدار ساعات اليوم الـ24 سبعة أيام في الأسبوع طيلة أيام الشهر، فهذا يعنى أنك مأفور في الأفورة.