بقلم : أمينة خيري
فى محاولة لالتقاط الأنفاس، نبتعد عن «كورونا» قليلًا وعداداته المخيفة لنغرق فيما هو أبشع. فظاعة تعامل البعض مع الفيروس لا تتوقف عند حدود دولة تستولى على المعدات الطبية المرسلة لدولة أخرى، أو التنمر بجنسيات أو أجناس باتت تحمل وصمة الفيروس، بل تمتد لتصل إلى هلاوس ووساوس خاصة بالفيروس. اجتزنا مرحلة المبتدئين حيث تفشى الوباء فى دول لا تدين بديننا عقاب لهم وبدء تفشيه عندنا ابتلاء الله لعبادة المؤمنين. ونمضى قدمًا فى طريق الهسهس، حيث «طبيب مسلم يشارك فى علاج المصابين فى إيطاليا» و«شاب مسلم يساعد فى التسوق للمسنين فى بريطانيا» وتفاخر بهذه الأنباء التى تعكس أفكارنا.
وكان يمكن تفهم التفاخر لو كان مصريًا أو سعوديًا مثلًا يقدم العون على أساس التفاخر بالانتماء الوطنى، لكن أن يعتقد المسلم أو المسيحى أو اليهودى أو البوذى أن تقديم يد العون لمن لا ينتمون لنهجه العقائدى مدعاة للتفاخر والتباهى يعنى أن فهمه لعقيدته مغلوط، وثقته فى منهجه تعانى الأنيميا وتحتاج ما يقويها عبر تفاخر بقيم إنسانية هى جزء لا يتجزأ من العقيدة. هذه القيم الإنسانية المغروسة فى الأديان تتعرض لاهتزازات عنيفة وتأرجحات مريعة هذه الآونة. فبينما البعض يطالبنا بتخصيص جل الوقت للتضرع إلى الله لرفع البلاء عنا، وبعضهم يذهب إلى درجة تخصيص الفئات المطلوب رفع البلاء عنها تبعًا لخانة الديانة، لا تظهر فى الأفق أى مطالبات بأن نلمح فى أثناء دعائنا وتضرعنا كذلك إلى رفع بلاء الإغراق فى الهسهس والإفراط فيه.
فلماذا مثلًا لا ندعو الله سبحانه وتعالى أيضًا إلى أن ينير بصيرتنا وينقح عقولنا ونتنبه إلى أننا فى ذيل أمم الأرض فيما يختص بسبل البحث العلمى والعلاج الطبى والمصل الوقائى؟. لماذا لا نولى قدرًا من اهتمامنا لمتابعة ما يجرى فى الكوكب هذه الآونة؟. الوباء ضرب الجميع، والهلع متمكن من الكل، لكن هناك من اكتفى بهذا القدر من الأزمة واعتبر مهمته متلخصة فى الدعاء لرفع البلاء. وهناك من مزج الدعاء بالعمل فى صراع مع الزمن للوصول إلى علاج أو مصل، أو حتى الخروج بأفكار عملية لزيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال المصابين فى المستشفيات.
لماذا لا ندرك أن الله سبحانه وتعالى لم يخصص مهام البحث العلمى والابتكار العملى والخروج بعلاجات ولقاحات لشعوب وانتماءات عقائدية بعينها، فيما اختص مهمة الدعاء والاستغفار لشعوب وانتماءات عقائدية أخرى؟. وبينما بعضنا لا يفعل شيئًا سوى التضرع لله انتظارًا لحين وصول «الكفار» لما فيه علاج ولقاح لنا، يملأ أوقات الفراغ بين الاستغفار بالشماتة فى زيادة الوفيات لدى دول «الغرب الكافر»، ويشترون الأبحاث المطلوبة من أبنائنا فى مراحل التعليم المختلفة من آخرين يتضرعون مثلهم من المنتمين للعملية التعليمية «التربوية».