بقلم : أمينة خيري
هل هو دين جديد، أم فرع من الأصل، أم هو نسخة مشوهة؟.. «الدين الجديد» الذى ظهر فى بر مصر فى أواخر سبعينيات القرن الماضى ونما واستشرى فى ثمانينياته وتسعينياته واستقر و«اترستق» فى التسعينيات والألفينات ودخل حاليًا مرحلة إثبات نفسه بالحجة والبرهان أنه الدين الأصلى وكل ما عداه مضروب ومنقوص يبسط أجنحته على المحروسة ويقبض بكلتا يديه على رقبتها.. هذا الدين هو خليط من ثقافات مستوردة، مع تفسيرات شخصية من قبل البعض ممن وجدوا فى الدين أرضًا خصبة ليسترزقوا من جهة، ويحتكروا عقول الملايين من جهة أخرى، فيحققوا هيمنة، وبسطوا سيطرة سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية. الدين الجديد عالى الصوت، زاعق، مهلل، صارخ، صوته أجش، وخطابه قائم على الخوف. عماده الأساسى بث الرعب فى القلوب بعد التأكد من تعطيل العقول، ومن ثم السيطرة التامة على الملايين. الدين الجديد يعتمد على زرع الخوف والرعب فى القلوب وليس الحب والمودة. لا تفعل كذا حتى لا تحترق أعضاؤك البشرية فى نار جهنم، وتجنب ذاك حتى لا تأكلك الثعابين وينهش الدود لحمك وتتسلى الشياطين على ما تبقى منك. خطاب «لا تفعل كذا لأنك إنسان ذو مشاعر راقية وأحاسيس سامية» أو «اِفعل كذا لأن الله مودة ورحمة وحنان» يكاد يكون غير موجود.
ربما تجد كلمات هنا وهناك خالية من سفك الدماء وشج الرؤوس وبقر البطون، لكنها سرعان ما تعرج إلى التقرب إلى الله عن طريق العنف، ولو كان معنويًا. فدرجات العنف كثيرة، تبدأ من منح مفاتيح دخول الجنة لمن سفكوا أكبر كم ممكن من الدماء، وتمر بتصوير كل من لا يتطابق معنا فى الشكل والمحتوى باعتباره رجسًا من عمل الشيطان، وتنتهى باحتكار الدعاء حيث الجنة لنا وحدنا، والنجاح حليف أبنائنا وحدنا، والشفاء لمرضانا وحدنا، والجنة لنا نحن وحدنا. «الدين الجديد» ألحق أكبر الضرر لا بأتباعه ومعتنقيه فقط، ولكن بالدين الأصلى الحنيف الملىء بقيم المودة والرحمة والتعاطف والتراحم وقبول الآخرين، الداعى إلى الحق بالموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، الناهى عن العبوس والغلظة والخشونة، المتباهى بمكارم الأخلاق ومحاسن الألفاظ، المعتمد على مبادئ «اقرأ وتفكر واعقِل». فرغ «الدين الجديد» جانبًا معتبرًا من محتوى الدين الأصلى، وهو يستقتل حاليًا بالإبقاء على القشرة الخارجية التى تدعى القوة والبأس. يقاوم بكل أنواع المقاومة أى محاولة لتصحيح المسار واستعادة الازدهار. ولأنه تُرِك يرتع فى أرجاء البلاد وعقول العباد وعقولهم عشرات السنين، فهو يستخدم ضحاياه دروعًا بشرية. لقد نجح من يقفون وراء هذا التشويه فى أن يستلبوا عقول مريديهم من الضحايا الذين يعتقدون أنهم وحدهم رافعو راية الحق والإيمان، فباتوا اليوم هم جيشه وعتاده. لم تعد المسألة مجرد تجديد لخطاب دينى، أو تنقيح له وتطهير مما لحق به من تشويه وتدمير.. الحكاية أصعب وأعقد من ذلك بكثير.