بقلم : أمينة خيري
أعرف عازفة الفلوت العالمية إيناس عبدالدايم. ليست معرفة شخصية، لكنها معرفة الطاقة الإيجابية والنموذج والقدوة. كنت أتابعها كعازفة مصرية صارت عالمية على مدار سنوات كثيرة فيخبرنى عزفها وثقتها وفنها أن المرأة المصرية ليست «كوم محرمات» كما يدعون أو «مجموعة من العوامل المثيرة للشهوات» كما يروجون.
إنها القوية الناجحة المتميزة الواثقة فى قدراتها والنموذج المحتذى لغيرها من النساء وكذلك الرجال. أما إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، فأعرفها أيضاً، وهى ليست معرفة شخصية كذلك. لكنها معرفة تقتصر على متابعة تصريحاتها بين الحين والآخر، والإعجاب المستمر بمنظومة دار الأوبرا وما تقدمه لـ«فئة» من الناس بشكل محترم. وأعترف أن جانباً من تعلقى بدار الأوبرا يكمن فى أنها من المنظومات القليلة جداً جداً جداً التى نجت من السلفنة والهوس بالمظاهر الدينية. لم تتسلفن الدار أو يتغلب عليها هوس الدين الجديد الذى غزا مصر فى السبعينيات. وهذا لو تعلمون إنجاز عظيم. ورغم ذلك أشعر أن فى مقدور وزيرة الثقافة الفنانة المحترمة أن تتوسع فى منظومة دار الأوبرا بشكل أكبر وأعمق. فحتى اللحظة، مازالت عروض الأوبرا وما تتبعها من مسارح مقتصرة على قلة قليلة جداً من المصريين. وإتاحة وصول عمليات التطهير الفنى إلى عدد أكبر وأشمل من المواطنين القابعين فى قاعدة الهرم الاجتماعى لن تتم عبر نقل العروض على شاشة التليفزيون، أو حتى تخفيض أسعار التذاكر بين وقت وآخر. لكنها ستكون عبر انتقال الأوبرا إلى هؤلاء المواطنين فى عقر دارهم. مدركة تماماً للقيود الأمنية والوبائية، لكن مدركة أيضاً وواثقة فى قدرات الدولة على تنظيم إتاحة عمليات الإفاقة الثقافية والتطهير المعرفى بشكل لا يعرض الأمن للخطر ولا يرشح الوباء لمزيد من الانتشار.
يخبرنا الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء أن لدينا ثروة متمثلة فى 774 ناديا فى مختلف المدن المصرية و471 مركز شباب فى المدن، والأهم من كل ما سبق، 3903 مراكز شباب فى القرى. وأظن أن التعاون لا يمكن إلا أن يكون وثيقاً وقريباً وعميقاً بين وزارتى الثقافة والشباب والرياضة. أليست هذه الكلمات الثلاث داء مصر ودوائها؟! أليس الشباب هم تلك الفئة التى تمثل نحو 62 فى المائة من الشعب؟ أليست هذه هى الفئة الأكثر عرضة للغضب واليأس والإحباط؟ أليست هذه هى الفئة التى يخرج منها الإرهابيون الجدد والمتشددون الجدد والمتسلفنون الجدد؟ أليست هذه هى الفئة التى لو لم يتلقفها العلم والفن والثقافة والإبداع، سيتلقفها حتماً الجهل والخرافة والهسهس وفنون إلغاء العقل؟ المؤكد أن هناك سبلا لوصول الفنون والمعارف والمدارك إلى عقر دار المصريين بعد ما وصلت المساكن الآدمية لهم. انتقال الناس من العشوائيات السكنية والفكرية إلى هذه التجمعات السكنية الرائعة الجديدة يعنى شهادة وفاة لهذه التجمعات وولادة لعشوائيات جديدة ولكن فى بيوت آدمية.