بقلم : أمينة خيري
حتى يتوقف أفراد المجتمع عن الاستغراق والإغراق والاستمتاع بالقيام بدور هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابد أن يتوافر عاملان مهمان: الأول هو إرادة سياسية قوية وجريئة من الدولة بأن يتوقف الأفراد عن القيام بهذا الدور، والثانى، وهو الأصعب، هو عملية تطهير الأمخاخ التى خضعت لفيروسات ثقافية مركزة وممنهجة وموجهة على مدار ما يزيد على نصف قرن، وقبلها أربعة عقود هى فترة «الإحماء» لحقن الناس بفيروسات جماعات الإجرام السياسى ممثلة فى جماعة الإخوان.
سكان عمارة معترضون على قيام البعض بإطعام قطط الشارع فيؤنبون جيرانهم باستخدام آيات قرآنية وأحاديث نبوية. فتيات يقدمن مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعى فيهب المجتمع مطالبًا بإقامة الحد عليهن لأنهن فسقفن وفجرن. ممثلة ترتدى فستانًا يقلق مضجع البعض فيهرع محام لرفع قضية عليها لأنها تهدد العادات وتعرض التقاليد للخطر وتضع الدين والمتدينين فى مهب الريح. يتلقى المسجد شكوى من بعض الجيران بأن مكبرات الصوت أعلى بكثير مما ينبغى، وأن صوت المؤذن أجش ونشاز، وأن الصلوات الجهرية يتم بثها عبر المكبرات مسبوقة بالقرآن الكريم، فيعتبر المصلون ذلك ازدراء للصلاة وتضييقًا على المصلين. ترتدى إحداهن فستانًا عاديًا مثلما كان شائعًا فى مصر قبل ظهور النسخة المستحدثة من التدين فيستدعى ذلك شتمًا على أسس دينية من المارة وسبًا على قواعد إيمانية من قادة السيارات وتحرشًا من المتحرشين، وأمثلة «الشرطة المجتمعية» أكثر من أن يتم حصرها أو سردها.
وأغلب الظن أن الخراب الثقافى الذى حط علينا ونال منا على مدار عقود طال كل فئات المجتمع، وهو ما يجعل مواجهة فكر تنصيب أنفسنا أعضاء فاعلين فى جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمرًا بالغ الصعوبة.
ويقول المثل الشعبى: أبوها راضى وأنا راضى مالك أنت ومالنا يا قاضى! بمعنى آخر، القاعدة العريضة من الناس بأطيافهم وفئاتهم وشتى وظائفهم ومهنهم سعداء وراضون ومستمتعون بهذا الدور اللطيف، والواقع عليهم فعل الأمر بما تراه العامة معروفًاً لا حول لهم أو قوة أمام هذه الخيبة القوية العارمة.
القوة الوحيدة القادرة على «صنفرة» المفاهيم هى تحالف العلم والتفكير النقدى وسيادة القانون، والتى يجرى مناصبتها العداء من قبل المتشبثين بشيوع الشرطة المجتمعية الثقافية وفى أقوال أخرى «الدينية». هذه القوة يجرى محاربتها بضراوة لأننا بتنا نعتقد أن المجتمع القريب من الله هو الذى يشهر فيه الشعب المتدين بالفطرة أسلحة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى وجوه بعضهم البعض، وكذلك لأن تحالف العلم والقانون من شأنه أن يطيح بتحالفات أخرى وقوى ظلامية عديدة تهيمن على الأدمغة وتسيطر على الساحة الشعبية. إذن، المقاومة ستكون عنيفة، والحرب ستظل غير متكافئة، حيث فريق يرد بالعقل والمنطق والقانون، والآخر نجح فى تقديم نفسه باعتباره مقدسًا، وبالتالى فإن محاربته فسق، وفضح فراغه فجور.