بقلم : أمينة خيري
مصر متخمة بما يزيد على 100 مليون إنسان. مدن وكفور ونجوع وشوارع وميادين وأزقة، منها ما هو مرئى بالعين المجردة، ومنها ما هو بعيد أو مختف تحت وطأة الزحام. وفيها ملايين التفاصيل العادية وغير العادية. وضمن التفاصيل غير العادية ما تحول إلى عاد ومستساغ بفعل سنوات من تجريف وتواكل وفتح أبواب البلاد على مصاريعها أمام كل ما هب من ثقافة وما دب من أيديولوجيات سامة. وقبل أيام قرأت تدوينة على «فايسبوك» لشخص يبدو من ملابسه أنه منتم للأزهر أو الأوقاف. التدوينة عبارة عن دعوة لمن مات قريب له متأثراً بفيروس كورونا ويود إنجاز إجراءات التغسيل والدفن أن يتصل برقم كذا.
وكذا جمعية يفترض أنها خيرية مجال تخصصها تغسيل وتكفين ونقل الموتى مجاناً. إلى هنا والأمر جيد! لكن جولة سريعة على صفحة الجمعية كفيلة بإحداث صدمة عنيفة. جانب من نشاط الجمعية مصنف بأنه «تعليمى» حيث كوكبة من السيدات وجميعهن يرتدى النقاب الأسود، وكوكبة أخرى من الرجال ممن يرتدون الجلاليب البيضاء القصيرة والجميع يخضع لفصول تعليمية فى كيفية التغسيل. ماشى برضه! لكن مزيداً من التبحر يقودك إلى صور للدروس العملية حيث الكوكبة هذه أو تلك ملتفة حول جثمان شخص مسجى ليتم تغسيله والمصيبة أن بين الكوكبة أطفال لا تتجاوز أعمارهم خمس أو ست سنوات.
وتمضى الصور التى تفتخر بها الجمعية بوضعها على صفحتها، حيث صور لجثامين فى قبورها مع آيات قرآنية تشير إلى قيمة الحياة الفانية ودعوات للعمل من أجل هذه اللحظة المهيبة، وأخرى مسجاة على الأرض فى انتظار الدفن مع عبارات لا تخرج عن إطار «انتهى الامتحان. ذاهب ليرى النتيجة» «لو علمت السرعة التى سينساك بها الناس بعد موتك، فلن تعيش حياتك إلا لإرضاء الله» «إنك ميت وإنهم ميتون» «شيئان يحزنان: رجل لم يدخل المسجد إلا فى جنازته، وامرأة لم تستر نفسها إلا فى كفنها» (بالطبع لا مجال للحديث عن عمل هذا أو عمل هذه) صورتان واحدة لشاطئ ملىء بمصطافين والثانية لمقابر مليئة بالموتى وتأتى العبرة: أجساد عارية مشغولة بشهوات الدنيا وأخرى تتمنى الرجوع إليها لتسجد، صور لحوادث سيارات قاتلة. وهناك أيضاً مجموعة منتقاة من «درر الحوينى». وبالطبع فإن الدعاء لا يخرج عن إطار طلب الرحمة والمغفرة للمسلمين وموتى المسلمين ومن مات على الإسلام. ومن هنا إلى هناك، حيث «نقبل صدقاتكم على موتاكم» و«إن أردت التبرع للجمعية فعليك الاتصال بكذا». وإذا كان تغسيل الموتى وإعدادهم للدفن ضرورة قصوى تشكر الجمعية عليها، وبعيداً عن مسألة تلقى التبرعات والمساهمات المالية، فإن الأسئلة تدور حول هذه الصورة المقيتة التى تملأ أثير الصفحة، ووجود أطفال فى أثناء التغسيل بالإضافة لمسالة التغسيل والتكفين لموتى كورونا؟ فهل هذا يخضع لإشراف من وزارة الصحة؟ أعتقد أن الأمر يحتاج إلى بعض التدقيق والتصحيح.