بقلم : أمينة خيري
فى الذكرى الـ68 لثورة يوليو 1952 نحن فى أمس الحاجة لاستدعاء روح الشعب فى ظل حكم الراحل جمال عبدالناصر. درسنا أسباب الثورة وأهدافها، وتابعنا- سواء بالحكى أو التوثيق أو المعايشة- أجواء ما بعد الثورة حتى وفاة الزعيم. أحداث وحوادث وعزة وكرامة وحرب وانكسار وإصرار على الاستمرار، وتحول كلى فى نمط الاقتصاد والملكية والطبقية، وزرع مفهوم جديد للتعليم وإتاحته للجميع ورفعة قيمة العمل وهيمنة الأمل المبنى على قدرات أبناء الوطن. اليوم لا يهم إن كنا من محبى الملكية أو رافعى راية الجمهورية. ولن يفرق إن كنا من ذوى الأملاك والأطيان أو كنا موظفين وعمالاً أو حتى عاطلين عن العمل. ولن يؤثر كثيراً إن كنا ناصريين أو ساداتيين أو مباركيين أو غير مكترثين بالسياسة وأهلها. لكن ما يهم أن نكون على يقين بأننا فى أمس الحاجة لاستدعاء روح شعبية كتلك التى كانت سائدة فى منتصف خمسينيات وستينيات القرن الماضى.
إنه الأمل المبنى على أرض الواقع، حيث لا أحلام خيالية بأن نستيقظ ذات صباح لنجد باب الشعرية بيفرلى هيلز، أو ميدان المطرية بلازا مايور. كان أملاً واقعياً لمعرفتنا أن البناء عملية صعبة، لكننا أهل لها. الأجواء الشعبية فى سنوات ناصر- لاسيما سنوات ما قبل يونيو 1967- اجتمعت على مصلحة شعب واحد. صحيح كان هناك خاسرون لأملاك أسرهم ومكانتهم الاجتماعية، لكن القاعدة العريضة من الشعب كانت على يقين بأن القادم أحلى وإن كان صعباً.
هذه القاعدة لم ترتكن على مبدأ «يه تشتغل كتير لما ممكن تشتغل قليل؟»، كما لم تُعلِ راية الأعمال الهامشية العشوائية ذات الدخل المرتفع نسبياً والتى لا مستقبل لها، والمعتمدة على الفهلوة والسمسرة وبيع الهواء المعلب. شهدت هذه السنوات إيمان القاعدة العريضة من المصريين بأن غداً أفضل وأنه سيكون من صنع أيديهم، لا بأموال المعونة أو أعمال السمسرة أو الدعاء على الأعداء والحسبنة على العوازل.
صحيح أن 68 عاماً تعنى حدوث تغيرات كبرى وتحولات لا حصر لها. تغيرت التركيبة السكانية والأحداث العالمية والسياسات الداخلية، وجرى ما جرى من أخطاء وإنجازات فى عهدى الراحلين السادات ومبارك. والأهم من ذلك أننا دخلنا بكل قوتنا عصر الثورة الرقمية، وبات الموبايل وما يحويه من معلومات صحيحة أو خاطئة، وأحلام قابلة للتحقق أو عصية عليه، وتفسيرات للأحداث معتمدة على الصدق أو التضليل، ووعود بالازدهار قائمة على حقائق أو خيالات فى يد الملايين.
وإذا أضفنا إلى ذلك التغيرات الاجتماعية والثقافية والنفسية الكبرى التى طرأت علينا، نقول إننا جميعا نحتاج استدعاء الروح الشعبية السائدة بعد ثورة يوليو، سواء كنا من أنصارها أو معارضيها. هذه الروح لا تعرف الفرق بين متدين جداً أو متدين نصف نصف، أو منظر فيسبوكى أو رافع شعار «اللهم هجرة». إنها روح مصرية خالصة.