بقلم : أمينة خيري
حتى أشهر قليلة مضت، كان البعض يسخر من الأصوات المحذرة مما يجرى فى ليبيا وأثر ذلك على مصر. وحتى أيام قليلة مضت، كان هذا البعض يعتبر اهتمام الدولة المصرية بمجريات الأمور على حدودها الغربية تدخلًا فيما لا يعنيها. وإمعانًا فى إنعاش الذاكرة، علينا ألّا ننسى أو تُنسينا الأحداث الجسام على مدار العقد الماضى ما نقلته وبثته وسائل إعلام الكوكب من «احتفالات» «الشعب الليبى» يوم 20 أكتوبر عام 2011 بـ«نهاية الطاغية» و«موت الديكتاتور» وبدء الشعب الليبى صفحة جديدة من العزة والكرامة والرفاه! ولا ننسى أن صوتًا واحدًا لم يصدر حول مدى «إنسانية» قتل القذافى على الهواء مباشرة على أيادى «الثوار»، والفرحة العارمة بدمائه السائلة، وما قيل عن عرض جثمانه فى سوق للحوم بعد ذلك. الغريب أن مبادئ حقوق الإنسان، التى تعلمنا أنها لا تُجزَّأ، والتى لا تسمح باستثناءات ولو كانت للثأر أو الانتقام أو التشفِّى، لم يتحدث عنها أحد. ونعود إلى عام 2020 وما شهدته الأشهر الماضية من «احتلال» تركى لأراضٍ فى ليبيا، وصمت دولى سياسى وإعلامى، باستثناءات بسيطة. والأدهى من ذلك أننا رأينا بعض «الثوار» فى دول شتى من دول «الربيع العربى» يتباهون بصورة الرئيس التركى أردوغان على صورة البروفايل الخاصة بصفحاتهم العنكبوتية. والأغرب أن أحدًا- باستثناءات معروفة- لم يرَ الوجود التركى فى ليبيا، والمصحوب بتوافد المرتزقة من «ثوار» دول أخرى على أراضيها، «عدوانًا» أو «احتلالًا» أو «استعمارًا». والأدهى من ذلك أن بعض المؤسسات الإعلامية الغربية العريقة- التى تعلمنا على أياديها أسس المصداقية وقواعد الموضوعية- تعاملت مع التحركات التركية فى ليبيا مثلما تعاملت لجنة الممتحنين مع «مرجان أحمد مرجان»، فبدلًا من تحقيقات «التدخلات الخارجية» واستقصاءات «حقوق الإنسان المنتهكَة» وتقارير «لماذا تتدخل دولة أ عنوة وغصبًا فى دولة ب؟»، وجدنا تغطيات أقرب ما تكون إلى السؤال الذى تم توجيهه إلى «مرجان»: «هواط إيز يور نايم؟»، واليوم، وفى ضوء التطورات التى يُفترض أن تكون إيجابية، حيث البيانات الصادرة عن المجلس الرئاسى ومجلس النواب هناك بوقف إطلاق النار والعمليات العسكرية، ونظرة سريعة على التغطيات الإعلامية بأنواعها، تجد نبرة «خيبة أمل» فى بعض المنصات الإعلامية الشهيرة فى دول رأت اهتمام مصر بما يجرى فى ليبيا «تدخلًا فى شؤون ليبيا الداخلية»، بينما اعتبرت الاحتلال التركى والمرتزقة المستوردين من دول أخرى «تحركات سياسية مفهومة». ونرى كذلك غوصًا من قِبَل آخرين ممن يرون الإخوان فصيلًا وطنيًا وجماعة سلمية فيما إذا كان «السراج» قد اتصل بالرئيس السيسى بالفعل وشكره أم لا. لا وقف إطلاق النار الدائر على مدار عقد يعنيهم، ولا آفاق ما سيجرى فى ليبيا يشغلهم، ولا عيش الشعب الليبى وحريته وعدالته الاجتماعية تداعب تحليلاتهم السياسية. إنها أمور لو تدرون كاشفة.