بقلم : أمينة خيري
هل تعلمون ماذا كان الهَمّ الشاغل لجموع المصريين فى بدايات عمل شركات تطبيقات النقل فى مصر مثل «أوبر» و«كريم»؟ لم يكن مدى قانونية عملها. كما لم يكن أسعارها مقارنة بسيارات الأجرة العادية. وبالطبع لم تطرأ إجراءات الأمن والأمان فيها على البال. كان الشغل الشاغل هو سمعة السيدة أو الفتاة أو الطفلة أو الرضيعة التى تركب سيارة «ملاكى» يقودها رجل غريب وتدخل بها شارعهم! البعض من ضباط وأمناء الشرطة الذين يستوقفون سيارات ملاكى فيها شباب من الجنسين أو شاب وشابة يسألون عن نوع العلاقة التى تربط بينهم! ولا أعتقد أن هناك نصًا فى القوانين المصرية أو قانون المرور- الميت إكلينيكيًا، بدليل أعداد القتلى وجنون القيادة فى كل مكان- يحتم على المواطن أن يفصح لضابط الشرطة عن نوع العلاقة التى تربطه بأنثى فى السيارة. والغريب والعجيب والمريب أنه فى حال كانت الأنثى فى السيارة منتقبة فإنها غالبًا تكون قد اجتازت اختبار الأخلاق الأولى ونجحت بامتياز.
فى المطار وقت لقاء الأحبة العائدين أو توديع المسافرين تجد نظرات المتلصصين والمتلصصات تخترق عناق رجل وامرأة فى محاولة ميتافيزيقة لمعرفة نوع العلاقة بينهما التى تسمح بالعناق العلنى. ونحمد الله كثيرًا أن أمناء الشرطة لم يتنبهوا بعد لهذه الثغرة الأخلاقية فتركوا متعانقى المطار لحالهم. ومنعًا للالتباس واتقاءً لشرور السطحية الفكرية والجهالة الثقافية، حيث طالما تُعارض النقاب فأنت حتمًا تدعو إلى عرى النساء، فإن هذه السطور ليست دعوة إلى العلاقات الجنسية المفتوحة والانفلات السلوكى الممجوج. إنها فقط دعوة إلى مراجعة الحشرية الثقافية القبيحة التى ارتدت جلباب الدين وعباءته منذ نصف القرن. إنه الخطاب الدينى الذى طرحنا أرضًا ودهسنا وسحقنا وحوّل كل أنثى على وجه المحروسة إلى مشروع عاهرة أو «منكوحة» حتى يثبت عكس ذلك.
هذه الحشرية «الملتزمة» التى يراها كثيرون نخوة ورجولة وحماية للدين وذودًا عن المتدينين تموت إكلينيكيًا حين تُنتهك امرأة فى أتوبيس نقل عام، أو يُنهش جسدها بالنظرات التى تعريها فى الطريق العام، أو تُجبر على سماع عبارات جنسية من «بتوع» النخوة أنفسهم أثناء سيرها فى الشارع لأنهم «اتزنقوا» فى تفريغ شفهى لشهوة هنا أو رغبة جنسية هناك. قصص وحكايات من الواقع نعرفها جميعًا، لكن قليلين يتفكرون.
سائق التاكسى مثلًا الذى يخشى على سمعة الستات والبنات من الركوب مع أغراب «أوبر» و«كريم» ويحرص على تشغيل إذاعة القرآن الكريم بأعلى صوت طيلة الرحلة لا يجد حرجًا أبدًا مَن أن يعرج على حكاية ذات طابع جنسى يشنف بها آذان الراكبة ويدقق فى رد فعلها عبر مرآة السيارة استمتاعًا وتلذذًا. الشعوب المتدينة بالفطرة ليست حشرية بالضرورة. كما أن تدينها الفطرى هذا لا يمشى على سطر ويترك سطرين ثلاثة. وهذا التدين الفطرى حين يتحول إلى نفاق فطرى وهوس جنسى، فإنه يستوجب حلًا آنيًا لوقف المهزلة الدائرة رحاها منذ نصف القرن.