بقلم : أمينة خيري
رحل واحد من أساطير مصر الرائعة وأحد المساهمين فى تأريخ تراثها وفنها وعظمتها. بالطبع هى إرادة الله، لكن رحيل الرائع الأسطورة محمود رضا ليس رحيل فنان فحسب، لكنه تذكرة بما رحلنا عنه وتركناه وراءنا واستبدلناه بما هو قبيح ومظلم ومفجع. ولم نكتف بهذا الجنون، بل صورنا القبيح الجديد بأنه غاية المنى والأمل. ومضينا قدماً غير مكتفين باعتناق القبيح والتشبث بالكريه والإمساك بتلابيب كل ما هو منفر وبغيض، بل جعلنا منه مرجعية، فالمستند إليها متدين ومؤمن وضامن الجنة، والعكس صحيح.
وفاة مؤسس فرقة رضا للفنون الشعبية الجميل الراقى محمود رضا فتحت المجال للعديد من الأسئلة التى تبدأ بـ«ماذا لو؟» ماذا لو كانت فرقة رضا قد خرجت إلى النور فى ألفية مصر الثالثة؟ يا ترى كم بلاغ سيقدم إلى النائب العام لوقف هذا الفسق والفجور والحركات المثيرة للغرائز التى باتت تستنفر هرمونات الكثيرين من المصريين اليوم؟ وكم فيديو «دينى» يصوره المتدينون الجدد كان سينبط على هذا النوع من الفن غير المحمود عبر إسقاطات وتلميحات ومحاولة للإضحاك بلزوجة وسماجة بأن الرجل لا يرقص والمرأة التى ترقص شيطان رجيم؟.
ماذا لو كانت الأجيال الجديدة- التى هى فى الثلاثينات والأربعينات من العمر الآن- والتى نشأت وتربت فى كنف منظومة المدارس الدينية ومنهم من أمضى طفولته فى بلاد أغدقت علينا بثقافة لا تمت لنا بصلة واستمعوا لخطب الجمعة وفتاوى مشايخ تحت بئر السلم وزوايا انتشرت كالنار فى الهشيم منذ سبعينات القرن الماضى- كانت تعرف فرقة رضا معرفة حقيقية؟ أتوقع أن الملايين منهم كانوا سيخرجون علينا عبر مواقع التواصل الاجتماعى، محذرة من الترحم على الراحل والاستظراف السمج الذى بات البعض يعتبره مدخلاً للوعظ الدينى برداء الحداثة عن حرمانية النظر إلى من يرقص والاستماع إلى الموسيقى الماجنة.
ماذا لو كان الأستاذ عبدالله رشدى وأتباعه ومريدوه متفرغين لنا وتنبهوا إلى الحزن العارم والاحتفاء الهائل بمحمود رضا؟ أغلب الظن أنه كان سيطل علينا بمقطع فيديو يدس فيه سموم التحريم والتكريه عبر عسل الابتسامات والتى شيرتات التى تبرز مفاتن العضلات. ثم يذيل كل ذلك بهاشتاجه «الأزهر قادم» ليرهبنا به ويخرس ألسنتنا بالتلويح بالمؤسسة الدينية العريقة.
وماذا لو سألنا «السلفيين» عن جواز الترحم والصلاة على ممثل أو فنان؟ بحث عنكبوتى سريع أخرج هذه النتيجة: «لا يجوز الترحم على الكافر أو الصلاة عليه، أما من يموت على المعصية وعلى الكبيرة فيجب على أهل الهيئات أن يمتنعوا عن الصلاة عليه زجرا لمثله، ولكن إذا صلى عليه بعض الناس فلا بأس».
ماذا لو انتهزنا رحيل الرائع محمود رضا لنراجع ما ألم بنا لعل بعضنا يدرك أن مشوار التطهير الفكرى والدينى والثقافى لم يبدأ بعد، بل إنه ماض قدماً ولكن خلف الأبواب المغلقة؟!.