بقلم : أمينة خيري
كل عام والبشرية بخير وصحة وراحة بال وسلام ووئام وتعقل وتدبر فى هذه المناسبة العظيمة، مولد سيدنا عيسى عليه أفضل السلام. «عيد 7 يناير» كما يُطلق عليه المصريون هو عيد للجميع. ومن يخبرك أن الاحتفاء به أمر مخالف للإسلام وتعاليمه، أخبره أنه جاهل. والجهل درجة أخطر وأقبح من الانغلاق والتطرف والتشدد، لاسيما حين يكون مصحوبًا بعناد وإصرار على إلغاء العقل وتسليمه موصدًا لحاملى الصكوك. صكوك التدين والجنة والنار والثواب والعقاب والحلال والحرام التى صنعتها واحتكرتها مؤسسات وأفراد ومفاهيم ومدارس مستوردة تغلغلت فى المجتمع حتى تمكنت منه. العجيب أن مناسبة مثل مولد نبى المسيحية والذى يسمح حاملو الصكوك للرجال المسلمين بالزواج من نسائهم تخضع للسؤال حول التحريم والتحليل.
حتى محاولات الخروج من مستنقع الجهل والتطرف الذى تم إغراقنا فيه يتسم الكثير منها بالسطحية والتفاهة، وبعضها يكون أقرب إلى الدب الذى فطس صاحبه. لذلك حين يقول لك أحدهم إن علينا تهنئة «شركاء الوطن» قل له بالفم الملآن: «الشراكة تكون فى مجالات العمل وربما الزواج لأنها تبقى معرضة للزوال، أما المواطنة فقد وُجِدت لتبقى، ولا مجال للحديث عن زوالها إلا بزوال الأوطان. وللعلم والإحاطة، فإن هذا الوطن هو ما تعمل جماعات ودول وكيانات ومراكز الإجرام السياسى المسماة بـ«الإسلام السياسى» على تخريبه وتفتيته من منطلق «انصر أخاك فى الدين على الجانب الآخر من المعمورة، ولا تنصر جارك غير المسلم».
ونعود إلى واقعنا فى عيد الميلاد المجيد، عيد ميلاد سيدنا عيسى، عليه أفضل السلام، ونطالع أخبارًا متواترة يظن البعض أنها تمضى على طريق تجديد الخطاب الدينى أو تطهيره أو تحديثه، بينما هى فى واقع الحال تحجير له وإمعان فى احتكار العقل واستلاب التفكير المنطقى العقلانى. فحين تهل علينا الإفتاءات «الوسطية» المتسامحة الموسمية والتى تخبرنا بكل فرحة أنه يجوز تهنئة المسيحى بعيد ميلاد سيدنا عيسى الوارد ذكره والسيدة مريم مرارًا وتكرارًا فى القرآن الكريم، فإنها فى واقع الحال تعوم على عوم ظاهرة إلغاء العقل التى عملت فى مصرنا. ويتفاقم الشعور بالاصطناع حين تُبذل الجهود الفكرية لتعضيد السماح بالتهنئة بالبراهين والأدلة فيُشار إلى أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام عاش وتواصل وتراحم مع غير المسلمين، وكأن استيعاب فكرة وجود غير المسلمين فى الكوكب يحتاج الحث والتشجيع والتبرير.
من جهة أخرى، لماذا لا نسأل أنفسنا عما يخسره غير المسلمين فى حال توقف المسلمون عن تهنئتهم أو أكل كحكهم أو الزواج بنسائهم؟ هل الخسارة فادحة؟ الخسارة الفادحة هى إهدار الوقت والجهد والأثير فى الإصرار على أن المصرى يحتاج إلى من يفكر له ليصل إلى نتيجة مفادها أنه مواطن وليس لُحمة أو نسيجًا أو شريكًا بغض النظر عن خانة الديانة. عيد ميلاد سعيد لكل المصريين.