بقلم : آمينة خيري
في مقال أمس الأول، تحدثت عن نوعين من الأمية، وركزت على الأمية الأبجدية. واليوم أتحدث عن أمية بعض المتعلمين، ألا وهى انعدام قواعد الحوار وشح قيم الاختلاف، اللذين يعاصرهما ويتابعهما أغلبنا ويعانى منهما البعض. يرى البعض أن الغرض من التعبير عن الرأى هو أن يعتنقه الآخر. جميعنا يعبر عن رأيه في مسائل مختلفة مثل جمال الشتاء أو روعة الصيف، وسبل حل مشكلة المرور، أو تقييم أداء الحكومات، أو طريقة مذاكرة الأبناء، وطريقة التدين وأسلوبه وسبل الدفاع عن المعتقد.
خذ عندك مثلًا مَن يرى أن الدولة لا تخفى الإصابات المهولة بـ«كورونا»، وأنها تعلن عن حالات الاشتباه، ونتائج التحاليل دون مؤامرة لإلهاء الشعب أو تخطيط للكذب عليه. مصير هذا المواطن هو الشجب والتنديد والتشويه والوصم بنعوت تتراوح بين التأييد الأعمى للنظام والغباء والجهل. في السياق نفسه، فإن مَن يتشكك في عدم وجود إصابات بالفيروس ويشرح وجهة نظره في ضوء حركة السفر المستمرة واستحالة وقف الفيروس على الحدود الجغرافية، فإن مصيره هو أيضًا يكون الشجب والتنديد والتشويه والوصم بنعوت تتراوح بين المعارضة الهشة والخيانة الوطنية غير المغتفرة.
ويتصور البعض أن وسائل التواصل الاجتماعى هي ما أدت إلى العنجهية الشعبية والغطرسة التعبيرية، لكن أغلب الظن أن منصات التواصل كانت مجرد أداة لتكشف هذه السمة، أو فلنقل الظاهرة، الرديئة. رداءة الظاهرة لا تتوقف عند حدود حتمية نعت الآخر بالجهل، وربما سبه وشتمه وتشويهه والسخرية منه، لكنها تمتد لتصيبنا بالتوتر والغضب والحنق والشعور بالإهانة، ومن ثَمَّ ضرورة رد الصاع صاعين في دائرة مفرغة لا تنتهى. وهناك بالطبع اختلاف الرأى في مسائل تتعلق بالدين والمعتقد، وهو ما ينجم عنه تكفير ورمى باتهامات الزندقة والانحلال، وربما القتل الحلال على سبيل الجهاد في سبيل الله. وقد يكون من المفيد أن نسأل أنفسنا سؤالًا بسيطًا يبدو ساذجًا: لماذا نعبر عن آرائنا؟ بالطبع هناك إجابات لا يختلف عليها اثنان مثل: لأنها طبيعة بشرية، أو لأن الرأى قد يحمل فائدة أو حلًا أو بديلًا، أو لاعتزاز الشخص بفكره ورغبته في مشاركة آخرين فيه. =لكن هناك إجابات لا نصارح بها أنفسنا، مثل: أن بيننا طواويس مَزْهُوّة بذاتها، وتعتقد أنها وحدها تملك الحقيقة، أو لأن لدينا رغبة دفينة في سماع عبارات الإشادة بفكرنا العبقرى وفلسفتنا الفريدة وأفكارنا التي لا مثيل لها، أو لأن لدينا ميولًا قبلية تهدف إلى تكوين جبهة يتشابه أعضاؤها وتتطابق توجهاتهم، أو لأننا مهزوزون فاقدو الثقة في أنفسنا، فنود التعبير عن آرائنا أملًا في أن يختلف معنا أحدهم، فنبادر إلى رشقه بالحجارة أملًا في القضاء عليه لأننا نخشى اختلاف الآراء ونرتعب من تعدد التوجهات. إنها أمية بعض المتعلمين.. وللحديث بقية.