بقلم : أمينة خيري
ونعود مجددًا إلى منظومة السير العكسى، وما تركناه إلا فقدانًا للأمل. السير العكسى تحول إلى معتنق يرفع من شأن من يسير عكس الاتجاه ويضع المعترض فى خانة «يا عم كبّر» و«لو حد مات فإنه قضاء وقدر». نسلم بالقضاء والقدر، لكن قليلين ينتهجون نهج «اعقلها وتوكل». فالغالبية باتت تتوكل تاركة التعقل لكائنات أخرى. التعقل يخبرنا أن «واحد زائد واحد يساوى اثنين، لا اثنين ونصف أو ثلاثة إلا ربع، فقط اثنين»! أنت تسير عكس الاتجاه، إذن أنت مشروع قاتل. أنت سير عكس الاتجاه، إذن أنت لا تمانع فى أن تقتل أحدهم أو تصيبه أو تلحق به الضرر، سواء المادى أو المعنوى، دون أن يهز ذلك شعرة فيك. أنت تسير عكس الاتجاه، إذن أنت لا تمانع من حيث المبدأ فى أن تأتى بتصرف عكس القانون أو الأخلاق أو السلوك طالما أن أحدًا لا يراك أو أحدًا لن يعاقبك. أنت تسير عكس الاتجاه، إذن أنت تفصل فصلًا تامًا بين الدين والدنيا حتى لو كنت ممن يلطعون السيوف ويلصقون إشهارات التدين على زجاج سيارتك الخلفى. أنت تسير عكس الاتجاه، إذن أنت شخص غير ملتزم ولا تؤتمن على روح أو مسؤولية.
أنت تسير عكس الاتجاه، إذن انت منافق بوشين وصنف يخاف ما يختشيش لأنك على يقين بأن ذراع القانون لن تستوقفك. أنت تسير عكس الاتجاه، إذن أنت غير مؤهل لتربية أبنائك لأنك بكل بساطة متهاون فى أبسط قواعد ما يصح وما لا يصح. وربما يعتقد أن السير العكسى لم يرد فى الفقه والشريعة، ولا يتحدث عنه خطيب الجمعة أو واعظ الكنيسة، إذن هو لا يتعلق بالدين من قريب أو بعيد، ومن ثم أنت تعيش فى وهم أنك متدين ومآلك الجنة. أنت تسير عكس الاتجاه، إذن أنت عشوائى أنانى فوضوى. أنت تسير عكس الاتجاه وتعتقد أنه طالما ربنا ستر حتى الآن ولم تدهس أحدًا أو تصطدم بسيارة آتية فى الاتجاه الصحيح، فـ«مفيش مشكلة». والسير العكسى فى بلدنا لا يتعلق بفئة دون غيرها. سائق التوك توك لا يختلف عن أستاذ الجامعة، وابن رجل الأعمال الشهير الذى يقود سيارة سعرها ملايين لا يختلف عن ابن العامل البسيط الذى يقود دراجة نارية.
كبار وصغار، نساء ورجال، مدراء وعمال، لم تعد بحبوحة السير العكسى تفرق بين الطبقات والفئات. ابن رجل الأعمال الذى دهس المهندسة الشابة أثناء سيره عكس الاتجاه لم ولن يكون الأول أو الأخير. بات السير العكسى فى مصر نهجًا عاديًا. وفى الشروق، حيث أسكن، محطة وقود على طريق السويس لا يتوانى سائقون عن السير العكسى فى طريق ملتف ليختصروا بضعة أمتار، ولا يجدون من يقول لهم ثلث الثلاثة كام، وذلك فى انتظار وقوع الحادث المروع. إذن السير العكسى أصبح عقيدة ومعتنقًا.