بقلم : أمينة خيري
«العشوائية سلوك إجرامى»! استوقفتى العبارة «القانونية» التى قالتها الصديقة المحامية نجلاء الإمام أثناء حديث بيننا. أدركت أننا غارقون فى هذا الإجرام حتى الثمالة. العمارة التى ظلت محترقة على الدائرى سلوك إجرامى بدءاً ببنائها مروراً ببيع وحداتها وانتهاءً باستمرار السكن فيها. وهى تكرار أليم للعمارة التى مر الكوبرى من شرفاتها، وغيرهما كثير. ولعشوائية البناء أشكال عدة.
فهناك البناء العشوائى على أراضينا الزراعية المحدودة وكم الخراب الذى لحق بها. والمسألة الموجعة هى أن البناء العشوائى على الأراضى الزراعية لم ينشط كسلوك إجرامى بين بعد أحداث يناير 2011 حيث الاستفادة من حالة الفوضى، لكنه عشق قديم جرف ثروة مصر وحق الأحفاد. وهذا يعنى أن العشوائية صارت تسرى فى الدماء. والسلوك العشوائى الذى غزا تفاصيل حياتنا لا يقتصر على البناء، لكنه يمتد إلى تزيين الواجهات حيث العشوائية فى أبهى صورها. واجهة حمراء وأخرى صفراء وثالثة خضراء. شرفة تم تحويلها إلى غرفة وأخرى صارت مخزن للكراكيب وثالثة تم طلاؤها باللون البنفسجى. حتى أولئك الفهلوية المعتدين على حق غيرهم من المواطنين فى الرصيف وجزء من حرم الشارع مثلاً يفعلون ذلك بعشوائية مفرطة، وبدلاً من أن يتم غزو أماكن الانتفاع العام بشىء من التنسيق، يفعلون بقبح حيث قراطيس برتقالية وصناديق خشبية ومقاعد مهشمة وعلى المتضرر ضرب رأسه فى أقرب حائط. التكاتك غير المرخصة والتى يقودها أطفال خرجت من الشوارع الجانبية وانطلقت بكل أريحية فى شوارع رئيسية مثل شارع شبرا على سبيل المثال لا الحصر.
السير العكسى العشوائى يمارس نهاراً جهاراً. السلوك العشوائى الإجرامى نما وترعرع ونضج وصار كياناً مستقلاً بذاته. وقد ألقى بظلال وارفة على تصرفاتنا وأفكارنا، فصار النهج العشوائى منهجاً يفرض نفسه. وبدلاً من أن ينشأ الصغار فى المدارس على الفكر المنظم والترتيب والتخطيط، يجدون المعلم عشوائياً فى الشرح وتنظيم الفصل. ويجدون مشرف الفسحة عشوائياً فى الإشراف. وعملية البيع فى «كانتين» المدرسة عشوائية، حيث فكرة الطابور غير واردة. ولولا السياج الحديدية التى صممت بحيث تتسع لمواطن واحد رشيق أمام باك تذاكر مترو الأنفاق لاستمر الهجوم العشوائى والبقاء للأقوى فى عملية البيع.
والمصيبة هى أن من يعترض على عشوائية الحياة، يٌنظَر إليه إما على أنه مختل، أو حنبلى، أو «مش حاسس بالغلابة»، وكأن «الغلب» والفقر يبرران البلطجة والفوضى. ونحمد الله كثيراً على تمدد العشوائية لتصل إلى الطبقتين المتوسطة والعليا، ليتحقق بذلك مبدأ العدالة العشوائية للجميع. فالقيادة العشوائية ساوت بين التوك توك والسيارات الفارهة، واحتلال الأرصفة العشوائى بات سمة فى الأحياء الراقية والشعبية. وقس على ذلك فى كل مظاهر العشوائية المهيمنة على حياتنا. والثورة على العشوائية لن تحقق أهدافها عبر حملة شرطية هنا أو حملة توعوية هناك، فتغيير ثقافة العشوائية يحتاج تزامن الهدم والبناء فى آن