بقلم - أمينة خيري
كثيرون يبحثون عن فيديوهات من داخل قاعات المحاكم. متعة المشاهدة كبيرة. أدرينالين الإثارة رهيب. تعليقات المتابعين فى حد ذاتها جديرة بالمتابعة، حيث قراءتها لا تقل متعة أو إثارة عما يجرى. لكن ليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كل ما هو ممتع جميلا، أو كل ما هو مثير بديعا.
فى صغرى كنت متيمة بمتابعة مشاهد الأفلام التى تجرى فى قاعات المحاكم. مشهد القضاة على المنصة المهيبة، مرافعة النيابة العامة الجليلة، الصمت الذى إن قطعه أحدهم يدق القاضى بمطرقته المبجلة دقات قليلة متواترة مهيبة مهددا من يخرق النظام ويتحدث دون إذن أنه فى حال تكرار حديثه العشوائى دون إذن فسيتم إخراجه من القاعة أو إيداعه القفص، المحامون فى الصف الأول بأرواب المحاماة السوداء الفاخرة الوقورة، الحضور من ذوى المتهمين والمجنى عليهم والجميع يجلس فى صمت ينضح بقلق وتوتر حتى تكاد تسمع صوت الأنفاس المتلاحقة، حاجب المحكمة الذى يقدم المستندات ويرتب الأوراق ويحافظ على الهدوء والنظام والنظافة فى قاعة المحكمة وينادى على القضايا ويعلن دحول فلان شاهدا.
ويظل هذا العشق لمتابعة مشاهد المحاكم فى أفلام الأبيض والأسود مصاحبا لى حتى اللحظة. والميزة الكبيرة فى العصر الرقمى أنه بات فى الإمكان إعادة مقاطع المحاكم لأستمتع بها مرات ومرات. لكن الاستمتاع تصحبه نوستالجيا رهيبة. نوستالجيا لزمن فات، ولتركيبة مجتمعية ولت ودبرت، أو شىء ما أفدح من هذا وتلك.
قبل أيام، أخضعت نفسى لتجربة معملية خزعبلية. شاهدت مقطعا يجرى فى قاعة محكمة فى فيلم «النائب العام» على «يوتيوب» ثم تبعته ببضعة مشاهد مصورة بهواتف محمولة من داخل قاعات محكمة لقضايا تشغل الرأى العام فى مصر حاليا. التجربة أشبه بما يتعرض له جسم الإنسان إذا دخل حين ينتقل من غرفة ساونا إلى دش شديد البرودة.
شاهدت خناقة بأقبح الألفاظ وأفدح الاتهامات بين والدة مجنى عليها والمتهم بقتلها، ومواجهة كلامية رهيبة بين أهل مجنى عليها وقاتلها، ومحام يهتف بأعلى الصوت لقاتل يخبره بأنه على حق، وغيرها كثير. وقرأت ضمن الأخبار خبراً منشوراً فى مواقع إخبارية على سبيل الإخبار وليس التعجب عن ست شابات بنات عمومة ضربن بعضهن البعض داخل قاعة محكمة بالأحذية. وذكر الخبر على سبيل الإخبار أيضاً أن الشابات يحملن درجات الليسانس فى اللغة العربية والشريعة الإسلامية والدبلوم التجارى... إلخ.
والسؤال- أو بالأحرى الأسئلة- التى يجب أن نطرحها على أنفسنا كثيرة. لكن أبرز الأسئلة تتعلق بالهم الأكبر والشغل الشاغل ألا وهى معركتنا الكبرى التى لم تحسم بعد، وربما لم نبدأ فى خوضها بعد، ألا وهى معركة بناء وعى الإنسان المصرى. نحن لا نطالب بأن يأكل الجميع الأرز بالشوكة، أو يتم تقشير الموز بالسكين. نحن نأمل فى نظره ثاقبة تصحبها تحركات عاجلة لإعادة بناء الوعى المغدور.