بقلم : أمينة خيري
فى الفن الغث والسمين. وفى السياسة أيضًا الغث والسمين. وفى المجالس النيابية والهيئات الرسمية والجمعيات الأهلية والأهل والأقارب ودوائر الأصدقاء والمعارف والخضراوات والفواكه وبرامج التلفزيون الغث والسمين. حتى رجال الدين ممن يأخذون على عاتقهم مهام التفسير والوعظ والإفتاء فيهم أيضًا الغث والسمين. ليس كل ما يقدمه الفن عظيمًا، وليس كل ما تنضح به السياسة أمينًا. وليس كل ما يجرى تحت القباب البرلمانية منطقيًا أو معبرًا عن تعليم جيد وثقافة راقية وإيمان بالحقوق والحريات. لكن كل ما يقال هنا وهناك معبر إما عما يجول فى العقل الباطن من أفكار ومعتقدات، أو عاكس لما نما عليه الشخص من قيم ومبادئ، وما نشأ عليه فى بيته ومدرسته وشارعه ومحيطه من أولويات وأفكار. وهناك ما يقال على سبيل «فض المجالس» و«كسب أرضيات وإرضاء أهواء بغية تحقيق مكاسب وإحراز أهداف. وحين قال نائب برلمانى إن الفنانين يسعون فى الأرض فسادًا، فأغلب الظن أنه كما يقال بالإنجليزية was speaking his mind out، أى تحدث عما يجول فى عقله وما يؤمن به فعليًا. وحين تحدثت معه «المصرى اليوم» للتعليق على كلماته التى أغضبت «البعض»، قال: «الفنانون ليسوا ملائكة، ويكفى ما نراه من فساد وانهيار أخلاقى بسبب الفنانين وما يقدمونه فى أفلامهم ومسلسلاتهم. وتعظيم سلام للفن المحترم». وأكد بكل شدة وضراوة أنه لن يعتذر حتى لو طالبه رئيس المجلس واستدعاه لذلك، مذيلًا كلماته القوية المزلزلة بتأكيده: «أنا باقول الحق».
وإحقاقًا للحق، فالرجل محق. محق لأنه عبر بكل صدق عما نشأ عليه ويجول فى خاطره ويحمله من أفكار ومبادئ وقيم. الرجل لم يوارِ أو يدارِ ما يؤمن به. وسأقفز إلى استنتاج بأنه حين اُضطِر إلى الاعتذار لم تخرج كلماته المقدرة والمثمنة للفن والفنانين بنفس الأريحية والشفافية والمصداقية التى خرجت بها كلماته الأولى. وبدلًا من تعليق المشانق للرجل الذى يزدرى الفن باستثناء ذلك الذى يقدم النماذج الإيجابية والأنماط الملتزمة مثل تلك الواردة فى كتب القراءة، علينا أن نفقه أن ما قاله النائب لم يزعج القاعدة العريضة من «الناخبين». هذه القاعدة العريضة هى ابنة سنوات الخطاب الثقافى المُشوِّه للفن والإبداع المزدرى للمرأة، المتشبه بثقافات مستوردة تخرج الآن من غياهب ظلمات الفكر. من انزعجوا هم قلة قليلة من الناس، لكنها قلة ظاهرة، لأن لها صوتا وقلما وأثيرا. ولو كان هناك من يهمه تطهير الخطاب الثقافى المطبق على القلوب والعقول، فليعتبر كلمات النائب المعبرة نقطة انطلاق لفهم ماذا حدث للمصريين وما ألمَّ بهم حتى يزدرى أحفاد فاتن حمامة وشادية وكمال الشناوى وعبدالحليم حافظ وأم كلثوم الفن والجمال والفكر ويناصبون العقل العداء والكراهية. هذا هو الأولى بالجهد، وليس إجبار النائب على أن يقول بلسانه ما لا يؤمن به قلبه وعقله. النائب يستحق الشكر لأنه يمنحنا فرصة جديدة للنظر فى المرآة.