بقلم : محمد أمين
«التأمين الصحى».. عبارة لطالما أثارت القشعريرة فى النفوس، ونثرت الرعب فى القلوب، وأوحت لمن يضطر إليها بأن النهاية باتت قريبة، لا لمرض قاتل أو لقضاء وقدر مكتوب، ولكن لإهمال وتقصير وفساد ولا مبالاة تحولت إلى بروتوكول مرتبط بها. وحتى من كان ينجو من تجربة العلاج فى «التأمين الصحى» عاش ومن رافقوه يتجرعون مرارة التجربة القاسية والرحلة المروعة. ولم يكن يطرأ على بالى أن أكتب يومًا ما عن روعة «التأمين الصحى»، على الأقل ما رأيته بعينى وعايشته بنفسى مع صديقة العمر. «مركز أورام مدينة نصر - التأمين الصحى» عشرة على عشرة.
والدرجات النهائية لا تقتصر على من يدير هذا المكان، بل تذهب من أصغر صغير إلى أكبر كبير فى هذا الكيان الإنسانى، قبل أن يكون طبيًا علاجيًا مخففًا عن الآلام وباثًا لأمل الشفاء والحياة. الخطوات التى تسبق دخول المبنى من البوابة الرئيسية خطوات مهزوزة مرعوبة. ولِمَ لا والخبرات السابقة تقول إن سوء المعاملة دستور، واللامبالاة معتنق، والاستهانة والإهانة والازدراء لمن يحصل على العلاج المجانى (رغم سداده كلفته طيلة سنوات العمل) سيدات الموقف! وبالطبع القذارة والشبشبة والصوت العالى ونصبة الشاى والبقشيش كانت أعمدة التأمين الصحى؟. لكن هالنى ما رأيت. الأمن على الباب تهذيب، وزى نظيف مهندم، وقياس درجة حرارة من خلف كمامة لم تنزلق أسفل الأنف. موظفة الاستقبال بشاشة وذوق وابتسامة تنسيك «مدام عفاف» ومهمتها فى تعقيد السهل وتعسير اليسير. عاملات النظافة شرحه: نظافة، ومرور كل ساعة للتأكد من نظافة غرف المرضى، ومشرف مهذب، لكن حاسم فى الرقابة.
ممرضات بشوشات ومدربات وملابسهن نظيفة وتعاملهن مع المرضى رائع. حتى عامل نقل المرضى من غرفة الانتظار إلى العمليات بشوش ولطيف ولا ينتظر «المعلوم» من أجل إتمام مهمته.. ليس هذا فقط، بل يطمئن المريض/(ة) بأن العملية «شكة دبوس» داعيًا له بالشفاء دون الاستجداء المادى المتعارف عليه. ولن أخوض كثيرًا فى أداء الأطباء لأنه رائع، وما بعد العملية لأنه بالغ التنظيم، وأدوية ما بعد الجراحة يتم توصيلها للمريض مغلفة ومنظمة. ثم تأتى مرحلة تلقى العلاج الكيميائى وما يعتريها من توتر وخوف وقلق. ويكفى أن أقول إن صديقتى كتبت من داخل غرفة العلاج وأثناء خضوعها للجرعة الأولى عن نظافة الغرفة، و«نور ربنا» الذى يملؤها من النافذة الكبيرة، وأشعة الشمس التى تبث دفئًا للمرضى الجالسين على مقاعد العلاج لساعات طويلة لتلقى الجرعات، وكيف أن الممرضة أخبرتهم بأن خدمة البوفيه متاحة لمن يود طلب مشروب أثناء تلقى الدواء.
تحية كبيرة جدًا لكل من يقف وراء وأمام وداخل هذا الكيان، بدءًا بوزارة الصحة والسكان، مرورًا بمسؤولى التأمين الصحى ومدير هذا المكان وكل العاملين فيه. شكرًا، فقد أعدتم قدرًا من الأمل لنا وجبلًا من الإنسانية افتقدناها منذ زمن.