بقلم : أمينة خيري
يعتقد البعض أن التحركات المتناثرة لكن المؤثرة جداً لشابات فى المجاهرة بما تعرضن له من تحرش واغتصاب (إقامة علاقة جنسية رغماً عنهن) هى حركة «مى تو» (أنا أيضاً) المصرية. أتمنى أن تكون كذلك، لكن الأمنيات وحدها لا تكفى. فالمعطيات غير مهيأة، بل مهيأة لما هو أسوأ. وما هو أسوأ ليس التغاضى عن أو تجاهل ما تتعرض له إناث من تحرشات واغتصاب، بل تحميلهن مغبة ما يجرى سواء برفض مبدأ المجاهرة من باب «إن بُليتم فاستتروا»، حيث إن المجتمع يعنيه ما يظهر على السطح من التزام ولا يلقى بالاً إلى ما يجرى تحت القشرة الأولى. وما هو أسوأ يتضمن كذلك قبول الهراء المجتمعى الذى ينص على أنه طالما لم تلتزم «البنت» بمعايير «الأيزو» التى تم استيرادها فى أواخر السبعينيات وتعميمها على مدار نصف قرن فى ملبسها ومظهرها، فإنها تستحق ما يجرى لها. ليس هذا فقط، بل بيننا من يمضى قدماً ويشجع ضمناً التحرش بغير الملتزمات بمقاييس الأيزو تلك حتى تكون عبرة لغيرها. وأزيدكم من الشعر بيتاً، حيث البعض ممن يشجع ضمناً التحرش بغير الملتزمات بالمعايير المستوردة مصنفون تحت بند «رجال الدين». وقبل أشهر كتبت عما فعله الخطاب الدينى المستورد بالمرأة المصرية. كتبت أن مجتمعنا الذى أصبح «متدينًا بالفطرة» بمقاييس سبعينيات القرن الماضى ارتاح وانبسط تماماً. فقد جاءت الهبة التديينية المستوردة والمصحوبة بشعور بالدونية ومعها هيمنة فكرية وثقافية غريبة علينا.
أصبح التدين يقاس بعدد مكبرات الصوت والقدرة على الصراخ فيها، مع محتوى قوامه كراهية وخوف ورفض الآخر وتركيز على المظهر مع كثير من النكاح وشرعنة الشهوات. هذه الشرعنة أسعدت ملايين الذكور إذ وضعتهم فى خانة الهرمونات مسلوبة الإرادة. لم يعتمد الخطاب دعوة إلى التربية مثلاً، أو قدرة على التحكم فى الشهوات... إلخ. وجاءت هذه الشرعنة مصحوبة بتحويل أزياء نسائية بعينها إلى «يونيفورم» مقدس من تحيد عنه فقد أعلنت عداءها للدين، ووسيلة للتفرقة بين المؤمنات وغير المؤمنات. والد إحدى فتيات «التيك توك» دافع عن ابنته بقوله «بنتى محجبة» عاكساً المفهوم الشعبى، حيث الحكم على الأخلاق والسلوك شعبياً يرتكز على ماذا ترتدى الأنثى! ولن أتطرق إلى «فتيات التيك توك» اللاتى قلبن حال المتدين بالفطرة رأساً على عقب، بل سأعود إلى التمنى بأن تكون موجة المجاهرات «مى تو» مصرية بعد عقود تحولت خلالها المرأة المصرية إلى كتلة شعور بالذنب لأنها أنثى تسير على قدمين. أخشى أن المجتمع «من ساسه لراسه» بات غارقاً فى حالة مستفحلة من الإنكار. ومع الإنكار سجن كبير تحرسه النساء قبل الرجال بفعل الشعور بالذنب لأنهن إناث. هذا السجن جعل من الأنثى فى مصر إما «بائعة هوى» أو «مشروع بائعة هوى» أو بائعة هوى اقتناها أحدهم. الأرض غير مهيأة بعد لاستعادة آدمية المرأة المصرية.