بقلم - أمينة خيري
ما الذى يشغل المصريون؟ بالطبع ما «يفرضه» الإعلام «التقليدى»، لا سيما شاشات التليفزيون، أمر من السحر. هو «زن على الودان» كما يقولون فى المثل الشعبى. برامج التوك شو لها باع طويل فى تحديد خط سير نقاشات المصريين فى صباح اليوم التالى. وسواء كان الحدث أو الخبر أو الموضوع المهيمن على البرامج فستان ممثلة أو غرق مركب أو فتيات قدمن محتوى على «تيك توك» أو سد النهضة أو مباراة كرة قدم أو الانتخابات الرئاسية الأمريكية أو محمد صلاح أو ابن شخص مهم لكن منفلت لم ير تربية أو تنشئة أو محمد رمضان أو غير ذلك، اعتدنا أن تحدد لنا برامج الـ«توك شو» القضية التى نهرس فيها ونهرى حولها ونهبد ونزرع فيها لحين موعد الحلقة المقبلة. وهذه النوعية من القضايا والأحداث أشبه بالمنهج الإجبارى لا اختيار فيه.
أو بمعنى آخر هذا التحديد لما يشغل البال ويملأ ساحات الكلام أمر مفهوم ودور معلوم لكل وسائل الإعلام فى جميع أنحاء العالم، وإن كان ذلك بطرق مختلفة ولأهداف متفاوتة. لكن ما يعنينى أكثر هو ما الذى يشغل بال المصريين فى حال انقطعت عنهم وسائل الإعلام المحلى منها والدولى؟ بالطبع اهتمامات البشر الأولية هى المأكل والمشرب والملبس. لكن ماذا يشغل بالنا بعد الاحتياجات الأولية؟ بالوضع الراهن وفى ضوء الأحوال السائدة، أتوقع أن يكون الجنس والدين، والدين والجنس، والجنس فى الدين، والدين فى الجنس، والدين بدون جنس، والجنس بدون دين مع قليل من كرة القدم وبعض من شكوى متطلبات الحياة هى أكثر الموضوعات التى تشغل البال. المؤكد أن هناك فئة أو فئات ربما تهتم بقضايا فكرية أخرى أكثر تنوعاً، لكن واقع الحال من حولنا يؤكد أن هذا هو ما يشغل بال أغلبنا. صحيح أن مثل هذه المسائل تحتاج استطلاعات رأى وبحوث رأى عام وسبل قياس وغيرها من القياسات العلمية، لكن هذا غير متوفر حالياً. المتوفر حالياً هو رؤى العين. والسؤال الآن هو: ما الذى حصر اهتماماتنا فى قضيتين لا ثالث لهما إلا الهوامش؟! وهل هما بالفعل قضيتان؟ أم أنهما قضية واحدة ذات وجهين؟ أغلب الظن أيضاً أن كليهما وجه للآخر. نحن شعب نميل إلى شكل من أشكال التدين؟ نعم! لكن هذا الشكل تغير كثيراً فى النصف قرن الأخير من كونه التدين الفطرى حيث حب العبد للخالق ولمن حوله من البشر، إلى شكل هجين مستورد يغلب عليه الشكل الزاعق والمحتوى الضعيف المتناقض. ما علاقة الجنس إذن؟ حتى تجمل هذا الشكل من التدين، عليك أن تخفف من حدته وقسوته، وحبذا لو تدغدغ بعضاً من مشاعر عملت على جمودها وقسوتها. لذلك تم تقديم الجنس عبر الإغراق فيه من باب الحلال والحرام، حتى هيمن الدين والجنس على الأدمغة. والله أعلم.