بقلم : أمينة خيري
الكارثة لا تكمن فى عبدالله رشدى، ولا فيمن سبقوه من «دعاة» و«مشايخ» نصبوا أنفسهم أولياء أمور المصريات بدءاً من الولادة حيث مفاخذة الرضيعة، وانتهاء بلحظات ما قبل الدفن حيث نكاح الميتة. الكارثة تكمن فى التخلص التام من الخط الفاصل بين الدولة المدنية والدولة الدينية. هذا الخط الفاصل هو الذى يحمى المواطنين من توغل وتغول كل من شرب سموم الفوقية الدينية ورضع عفونة دونية المرأة وأطلق العنان لخياله الذى لا يسيطر عليه إلا الجنس فوجه دفة الملايين صوبه. الكارثة بدأت حين فقدت مصر صوابها. فى الوقت الذى كان المصريون- رجالاً ونساءً- يسيرون بخطى ثابتة نحو مجتمع متحضر، كان آخرون فى الداخل والخارج يرسمون لها خطى ظلامية لدفنها بالحيا كما يقولون، وقد تحقق لهم ما أرادوا. وليس هناك من الإناث من هن أقدر على التعبير عن وضع المجتمع: التعليم، الصحة، مجالات العمل، الثقافة، الفن، الإبداع، الابتكار، الحماية، وليس المظهر فقط. لكن لأن المظهر أسهل وأسرع طريقة لدى من أرادوا دفن مصر بالحيا لإشهار سيطرتهم وإبراز هيمنتهم والتمهيد لسطوة الدولة الدينية، فقد تم الدق على وتر النساء وملابسهن بدقة واستمرار واستنفار منذ أواخر السبعينيات. وهل هناك بين بنى البشر من يمكنه المقاومة والمعافرة حين يتم تزيين الدنيا له باعتبارها نساء وجنسا وهرمونات فحولة وذكورة طافحة، وكل ذلك فى إطار ذهبى من الدين والطاعة والالتزام. ولأن الزن على الودان أمر من السحر، فقد نتج عن هذا الزن استسلام شبه كامل من قبل الإناث اللاتى رضعن أنهن عورات وشبهات وشهوات ومحرمات وذنوب ومن ثم يحملن وزر ما سبق ولا يحق لهن الخروج من قبورهن إلا بغية «الاستخدام».
كما نتج عن هذا الزن تشبع الذكور أيضاً بفكرة لطيفة مغرية مريحة ملخصها أنهم كائنات مسلوبة الإرادة لا تتحكم فيهم عقول بل هرمونات، وبالتالى إن وجهتهم إلى التعدى أو الاغتصاب فإن ذلك سببه الأول والأخير هذه الهرمونات التى تملك لوحة التحكم فيها الإناث وملابسهن. وعلى الرغم من السعادة الغامرة بتجرؤ التيار الصامت الذى يجرى ترهيبه بتهمة «كراهية الدين ومعاداة المتدينين» كلما انتقد شيخاً أو اعترض على رأى جانح يدفع بالجميع نحو الهاوية، والمجاهرة برفض حكم الدولة الدينية التى لا تتمثل فقط فى رفض جماعة مجرمة كالإخوان، ولكن فى هيمنة «كهنوت» تمت صناعته وتقديسه فى القرن العشرين، إلا أن إيقاف رشدى اليوم لا يعنى أننا أصبحنا دولة مدنية. إيقاف رشدى أشبه بتغريم شخص كان يقود سيارته عكس الاتجاه لأن قانون المرور يجرم السير العكسى. لكن هناك الآلاف تسير عكس الاتجاه، ولا يتم تغريمها أو توقيفها. وللعلم فإن السير عكس الدولة المدنية متغلغل ليس فقط بين رشدى والمدافعين عنه، ولكنه متغلغل فى مصر حتى النخاع.