بقلم : آمينة خيري
صدق من قال إن النصر فى الألفية الثالثة حليف من آمن وعمل واجتهد على حلبة الإعلام. وخاب من ظن أنه ما زال قادراً على التمسك بتلابيب الحروب التقليدية رغم دخول العالم بكلتا قدميه عصر الثورة الرقمية المعلوماتية شديدة التعقيد والشراسة.
شراسة عبارة «حروب الجيل الرابع» لا تكمن فى محتواها، ولكن فى تحولها على أيادى البعض إلى مادة للسخرية ووسيلة للتفكه. هذه الحرب الدائرة رحاها منذ ما لا يقل عن عقدين كاملين حرب غير متكافئة. من ابتدعها واعتنقها يمضى قدماً فى طريقه معمماً إياها على دول الكوكب منذ سنوات، لكننا هنا على هذا الجانب من الكوكب مازلنا نحاول فك لوغاريتمها حيناً وننكر وجودها حيناً ونهرب منها للارتماء فى أحضان الجهالة والخرافة أحياناً. لكن أحياناً تجرى أحداث تدفعنا لانتشال أنفسنا بعيداً عن أفيوننا المتمثل فى الخرافة مؤقتاً لنتفكر قليلاً.
خذ عندك مثلاً الزوبعة التى دارت رحاها على مدار سنتين واتهامات موجهة لـ«فيسبوك» بالتأثير على نتيجة الانتخابات الأمريكية التى أتت بدونالد ترامب رئيساً. وخذ عندك أيضاً ما أثير حول أثر «فيسبوك» أيضاً على «بريكست» فى بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبى عبر تسريب بيانات المستخدمين. وخذ عندك حرب الحسابات المزيفة على «فيسبوك» والتأكد من أن حكومات وميليشيات إلكترونية تقف وراء عدد كبير منها. وخذ عندك كذلك خبر تعيين السيدة توكل كرمان ضمن مجلس الحكماء الذى تم تأسيسه من قبل «فيسبوك» لـ«الإشراف» على المحتوى.
مراجعة بسيطة يقوم بها طالب إعدادى عبر «جوجل» ستسفر عن تأكيد بالحجة والبرهان أن السيدة توكل ذات توجهات سياسية إخوانية، وأنها تعتنق فكراً (وربما مصلحة) تجعلها تميل بشدة للدول الداعمة للإسلام السياسى، وأنها تعادى فى السر والعلن الدول التى تقف على الجبهة الرافضة لهيمنة الإسلام السياسى، وأنها لا تبخل بجهد فى مهاجمة ومعاداة وتشويه الدول والأنظمة والتيارات الرافضة لانتماءاتها السياسية.
وسيخبرنا طالب الإعدادى أن السيدة توكل تجوب أرجاء المعمورة، والجانب الأكبر من مهمتها هو تشويه أنظمة دول وقياداتها واختيارات شعوبها. والسيدة توكل تفعل ذلك على مدار السنوات السبع الماضية بشكل بالغ الذكاء. فهى تصطاد فى مياه حقوق الإنسان التى تعكرها بتوجهاتها الإخوانية وتغلفها فى إطار يفهمه الغرب، ويستقبلها باعتبارها أول امرأة عربية تحصل على جائزة نوبل، وداعمة التغيير والربيع فى الدول العربية إلى آخر القائمة التى تبيع ولا تخسر على الجانب الآخر من الكوكب.
لكن للعلم والإحاطة، فإن الجانب الآخر من الكوكب هو أيضاً الذى أخبرنا قبل سنوات طويلة أنه تقرر نقل أرض المعركة من حلبات القتال بالدبابات والطائرات إلى الأثير. ويخبرنا الغرب أن الحرب «الجديدة» تعتمد على عمليات غير متكافئة، وصدامات فلسفية وأيديولوجية بين المقاتلين، وتجاوز الأهداف والقوى العسكرية المناوئة والهجوم مباشرة على الأهداف الثقافية والسياسية والأيديولوجية. إنها أسلحة الجيل الرابع شديدة الفتك.