بقلم : أمينة خيري
هذه الأيام تعود الشقيقة تونس إلى تصدر العديد من الأخبار. وهو تصدر محسوب ومخطط وممنهج. أخبار وتقارير وتحليلات عدة تملأ صفحات ومواقع وبرامج خبرية أمريكية وبريطانية. هذه السطور الواردة مثلاً فى صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية: فى منطقة حيث الحكومات الديكتاتورية سحقت الحركات والجماعات الإسلامية «المحبوبة»، طورت حركة النهضة نفسها لتصبح خليطاً من الإسلام والديمقراطية. وبقيت النهضة فى تونس على مدى العقد الذى تلى الربيع العربى الحركة السياسية الأقوى والأكثر تأثيراً. لكن، وبسبب الأزمات السياسية والاقتصادية، بدأت النهضة تعانى انخفاضاً فى شعبيتها بحسب ما تظهر قياسات الرأى. ويرى راشد الغنوشى رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان التونسى أن حركته نموذج يحتذى حيث المزج بين الإسلام والسياسة الحديثة. وهو يعتبر هذا المزج الناجح الوسيلة الأفضل لمناهضة كل أشكال التطرف الدينى والعلمانى. ويؤكد الغنوشى أن خبرة الحركة مقارنة بدول أخرى فى المنطقة قامت بسحق التيارات الإسلامية تؤهلها لتكون نموذجا يحتذى فى التحول الديمقراطى. وهو يأمل أن يمد له الرئيس بايدن طوق النجاة.
وفى الوقت نفسه، نطالع خبراً على «بى بى سى» عنوانه «تونس الحرة» الديمقراطية الوحيدة فى العالم العربى. الخبر يرتكز على التقرير السنوى «فريدوم هاوس» الأمريكية والذى يحوى تقييماً لحالة الديمقراطية فى الدول بناء على عدد من المؤشرات. وعلى الرغم من أن غالبية الموضوع يتعلق بالهند و«سقوطها» خارج قائمة الدول الديمقراطية واستعراض أمثلة لبقية الدول التى ضعفت ديمقراطيتها، بما فيها الولايات المتحدة نفسها، إلا أن العنوان المؤثر يركز على تونس «الحرة» «الديمقراطية». وعلى الرغم من الإشارة إلى «الفساد المستشرى والتحديات الاقتصادية والتهديدات الأمنية واستمرار القضايا العالقة الخاصة بالمساواة بين الجنسين والعدالة الانتقالية، إلا أن تونس تبقى الدولة العربية الوحيدة فى تصنيف «دولة حرة».
وأود الإشارة هنا إلى أن العديد من المنصات الإعلامية الغربية تشير إلى الغنوشى باعتباره «قريباً من الإخوان» وليس كادراً محنكاً من النوع المفتخر. فى الوقت نفسه، وباستثناء الإسلاميين وأبناء عمومهم فى تونس، فإن ما يجرى هناك شديد الشبه بما جرى فى مصر. الإسلاميون ينظمون التظاهرات الداعمة للحركة كنوع من الترهيب واستعراض القوة وإظهار العين الحمراء. ومنصات الإعلام التى تحظى بسمعة مهنية حيث الدفاع عن الديمقراطية والإسلام السياسى الوسطى الجميل والحركات الدينية «المحبوبة» تعد صدراً حنوناً وقلباً عطوفاً وظهراً حامياً ومروجاً لهذه الجماعات شديدة الديمقراطية الغارقة فى السلمية التى تختارها الشعوب إلى آخر أوركسترا الربيع العربى الفلهارمونى. غاية القول إن المواجهة بين محاولات جذب المنطقة- ومصر فى القلب- نحو حضيض الإسلام السياسى وبين جهود الإنقاذ لم تنته. ويمكن القول إن فصلاً جديداً يبدأ. والمواجهة لن تحسم أمنياً فقط، وإن حسمت أمنياً فهو حسم مؤقت. المواجهة تحتاج تنويراً وتثقيفاً وتخليصا لمفاصل الدول من عقارب الإسلاميين السامة تخليصاً بائناً.