بقلم : أمينة خيري
«ليستر سكوير»، أحد أشهر أحياء لندن السياحية التقليدية، معالمه تنضح بالسياحة التجارية، وملامحه قلما تتغير رغم تغيرات تطرأ بين الحين والآخر على مطاعمه ومحاله. تاريخه الذى يعود إلى عام 1670 يجعله مختلف المذاق. فى بداياته فى القرن الـ17 كان منطقة سكنية، لكن تبدل ملمحه السكنى فى أواخر القرن الـ18 ليكتسب طابعًا فنيًا وترفيهيًا تطور عبر العقود.
يحظى «ليستر سكوير» والمنطقة المحيطة بالنسبة الأكبر من عوامل الجذب الفنى والترفيهى فى لندن من دور سينما ومسرح ومعارض ونواد ليلية ومطاعم ومقاه.
وعلى مدار عقود، اكتسب «ليستر سكوير» سمة أخرى بالغة الحيوية وهى عروض الشارع من غناء ورقص وألعاب سحرية، حيث يقدم الهواة فنونهم دون مقابل مع إمكانية المساهمة لمن يرغب بعملات معدنية ضئيلة كنوع من التشجيع والدعم. ويتحول «ليستر سكوير» إلى كتلة حيوية تنضح بالغناء والضحك والموسيقى والبهجة. يختلط البعض من سكان المدينة بآلاف السياح القادمين من كل صوب فى أجواء لا يفلح فى النيل منها برد الشتاء القارس أو أمطار الجزيرة البريطانية أو تقلبات طقسها الحادة المعروفة. وتصل هذه الأجواء لأوجها مساء يوم الجمعة حيث بداية عطلة نهاية الأسبوع.
وفى خضم هذه الأجواء، وتواتر عارضى الشارع وفنانيه تختار مجموعة من الشباب والرجال الملتحين التمركز فى قلب المكان للدعوة إلى الإسلام. ولمن لا يعرف لندن، يمكن للجميع أن يدعو لكل شىء وأى شىء، طالما التزم بالقواعد المعمول بها قانونا. تجد أتباع «هارى كريشنا» بملابسهم الغريبة وأطفالهم ينشدون أغانى دينية فى شارع أوكسفورد الحيوى، وأنصار «كنيسة الخلاص» يطالبون العالم بالتوقف عن القتل فورًا لنجاة الكوكب، وعابدى الأشجار يوزعون مطويات يدعون فيها لتقديس النباتات وغيرهم الكثير. لكن اختيار الزمان والمكان والمحتوى مهم. فبغض النظر عن أهمية المحتوى المدعو له أو هزله أو جدليته، يمتزج أغلب الدعاة فى الأجواء المحيطة. فلا تجد مثلاً من يدعو للانضمام إلى حركة «برودوروف» المسيحية غريبة الأطوار على أبواب مسرح، أو داعيًا لإنهاء استخدام البلاستيك وإنقاذ العالم فى مدخل مطعم خمس نجوم، وهلم جرا. يبدو أن هؤلاء أيقنوا أن جزءًا من عدم نفور الناس منهم هو اختيار الوقت والمكان المناسبين.
مجموعة الرجال والشباب الملتحين المتمركزين فى قلب «ليستر سكوير» يوزعون نسخًا مترجمة من القرآن الكريم. وهذا جيد. لكن ما هو ليس جيدا هو نوعية الأحاديث التى تدور ضمن محاولاتهم الترويجية لجذب السياح ورواد المكان عن عذاب القبر وحجاب المرأة ومنزلة النقاب السامية والعذاب الذى ينتظر كل تارك للإسلام وساه عن تعاليمه وقيمه... إلخ.
ما أصاب ديننا على أيدى من جعلوه ظلامًا وعذابًا وإغراقًا فى الآخرة وانصرافًا عن الدنيا وعشقًا للموت والجنة وكراهية للحياة وما فيها ليس قليلاً، وهى إصابة عميقة ضربتنا فى مقتل.