بقلم : أمينة خيري
معروف أن الموت علينا حق. لكن هل العذاب دنيا وآخرة علينا حق؟، وهل مَن لم يفلح معه خطاب الترهيب والتهديد طيلة الحياة بأن عيشته كلها حرام فى حرام، وأن الانتقام سيحل به أينما كان، وعاش حياته معتنقًا نسخة هادئة متسامحة سامية من التدين، عليه أن يَلقَى التهديد والوعيد بعذاب القبر وضيقه ووحدته وبرودته لدى وداع الأحبة؟!.
وهل مَن أفلت من نسخة التدين، التى صرعتنا قبل نصف القرن، وحوّلت التدين المثالى إلى تجهُّم وعبوس وكراهية للحياة، وتمنِّى الموت للنفس والآخرين، عليه أن يجد نفسه فى مواجهة قسرية مع هذا النوع من «التدين» لدى توديع الراحل الغالى؟، وهل مَن نجا بنفسه من الثقافة العابسة القاتمة المظلمة المرتدية عباءة الدين كأداة تهديد ووعيد لمَن لا يرتدع ويعتنقها، عليه أن يقف فى براثنها فى أكثر اللحظات التى يتمنى فيها قدرًا من سكينة، وتخيل الموت راحة ورحمة لمَن تقرر لهم الرحيل قبله؟.
ألا توجد وسيلة غير الصياح والصراخ وتركيز الحديث والدعاء على عذاب القبر وظلمته ووحدته، بل الاسترسال فى إخبار أحباب الراحل بأن حبيبهم الذى سبقهم أوشك على مواجهة الأقسى والأفظع؟، هل لو دار الحديث والدعاء عن الرحابة والاتساع والنور والنورانية سيتعرض السامعون لخطر الكفر والإلحاد؟.
ألَا يكفى أن أغلب مقابرنا مرتع للمتسولين والمبتزين عاطفيًا لأهل المتوفى باسم الدين وطلب الرحمة والصدقة؟. فى بلاد أخرى يحلو لنا أن ننعتها بالكفر والفسق، تُعتبر زيارة المقابر سموًا بالروح وعبرة حقيقية لا كلامية للباقين على قيد الحياة. لكنها عبرة من أجل خوض حياة أفضل فيها خير أكثر وعمل أبقى ومشاعر حب ومودة ورحمة أعمق، وليست العبرة التى أغرقتنا حيث تمنِّى الموت وازدراء الحياة، وكأن الباقين على قيد الحياة ويحبونها مذنبون، ولا تسقط عنهم عقوبة الذنب إلا بكراهية الحياة وتمنِّى الموت.
هل ثقافة الموت لدينا، والتى تحمل قنطار موروثات ومائة قنطار نسخة التدين الواردة إلينا منذ السبعينيات، عصِيّة على التطهير؟. هل المطالبة بتخفيف حدة التهديد والوعيد والترهيب والتخويف فيها شبهة حرمانية لا سمح الله؟!. هل العمل على نشر الدعوة للدين ومساعدة الناس على التدين يمكن أن يمرا عبر بوابة اسمها التسامح والمحبة والمودة والمغفرة بدلًا من التشبث بتلابيب بوابة القِصاص والكراهية والترهيب والعقاب؟.
إذا كان الطفل الصغير الذى يتربى فى كنف ثقافة «هاحرقك بالملعقة إن كذبت»، و«العَوّ هيطلع لك بالليل لو لم تغسل رجليك»، و«أبورجل مسلوخة سيقضم ذراعك إن لم تُصلِّ»، يتحول بكل تأكيد إلى شخص غير سوِىّ نفسيًا وعصبيًا، وفى حال التزم بعدم الكذب وغسل الأرجل والصلاة فسيفعل ذلك خوفًا من عقاب وليس إيمانًا بقيمة ومعنى، فما بالك بنا نحن الذين نتجرع قدرًا لا يطيقه بشر من ترهيب وتفزيع وتخويف ألحق الضرر بالدين قبل أن يضر المتدينين؟!.