بقلم : أمينة خيري
جميل جدًا أن يجد الكاتب صدى لدى من يقرأ، سواء فى كلمات إعجاب وموافقة أو انتقاد وطرح رؤى مغايرة. فهذا هو الغرض من الكتابة وتحريك الأفكار والمساهمة فى تعديل مسارات المجتمع نحو الغد وبعد غد. ورائع جدًا أن يتلقى الكاتب ردودًا حقيقية من جهات مسؤولة عن أو مساهمة فى ظواهر أو مشكلات أو تنمية وعى أو ما شابه. وهذا يعكس فهمًا عميقًا للمسؤولية بالإضافة إلى القبول بجوانب تتعلق بالمساءلة والمحاسبة التى كثيرًا ما يكتنفها الغموض أو تتداخل معها ثقافة «المسؤول لا يُخطئ طالما هو فى السلطة». وأشكر وزارة الأوقاف كثيرًا، ليس فقط على موقفها فى مقاومة الرجعية والتشدد وعدم الانصياع للضغوط متعددة المصادر للإبقاء على الرجعية والتشدد، ولكن على الاستجابة السريعة للعديد من الشكاوى. استجابة سريعة أخرى تلقيتها من الصرح العظيم الذى أعتبره ضمن آمال مصر فى الخلاص والنجاة من تردى الوعى ووهن المنظومة القيمية والأخلاقية التى يعتقد البعض أن التدين المظهرى يحل محلها ويقوم بدورها، ألا وهو «المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية»، ممثلًا فى الدكتور محمد عبدالمنعم شلبى.
قبل أيام كتبت تحت عنوان «رؤية استشرافية لله» عن حاجتنا الماسة لوضع رؤية واقعية لمستقبلنا، وعدم الاكتفاء بالغرق فى الماضى المستنفد كل ما لدينا من طاقة ووقت، ظنًا منا أنه يكفى لنضمن آخرتنا وكأن دنيانا عدونا اللدود. أخبرنى الدكتور محمد أن المركز وضع بالفعل رؤية استشرافية علمية للمجتمع تحت عنوان «استشرافات النخبة المثقفة لمستقبل أنساق القيم الاجتماعية فى مصر». محتوى هذه الدراسة كفيل بفهم ما نحن فيه من أزمات فكرية وثقافية حقيقية تجعل من إعادة بناء الوعى مسألة حياة أو موت، مع العلم أن الحياة لا تستوى فقط بإبقاء البطون مملوءة. الدراسة ترصد الأنساق القيمية فى مصر بين التقليد والحداثة وتقاطعاتها مع الفئات والشرائح الاجتماعية الطبقية المختلفة، بالإضافة للتغيرات الكبرى التى طرأت على البنية الطبقية فى مصر. وهذا رصد وثيق الصلة بالنسق القيمى الاقتصادى ودور الدولة التنموى أيضًا، بالإضافة للنسق القيمى السياسى، وفى القلب منه مفهوم الإسلام السياسى الذى قد يكون رحل بمفهوم الجماعات، لكنه متغلغل فى صميم بناء المجتمع الثقافى بفعل عمل هذه الجماعات على الأرض على مدار عقود. خلصت الدراسة- التى سأكتب عنها كثيرًا- إلى مجموعة من العوامل الفاعلة فى التغير القيمى المستقبلى. وسائل التواصل الاجتماعى ستستمر فى دورها كمؤثر قوى فى العولمة الثقافية، وما يعنيه ذلك من مزيد من الانفصال بين الجيل الرقمى والأجيال الأكبر سنًا. نوعية التعليم وطبيعة البنية الطبقية والمكون الدينى ونوعية الخيار التنموى الذى تتبناه الدولة، أركان البناء المحددة للمستقبل ورؤية مصر الاستشرافية. «الاستعداد للمستقبل وعدم انتظاره كواقع» خير الكلمات لنهاية هذا المقال الذى يتبعه المزيد من الحديث عن مستقبل مصر القيمى