بقلم - أمينة خيري
العلاقة بين الحكومات والمواطن ليست علاقة «قلبى ارتاحله» أو «سبحان الله مش مستريحله». على الأقل لا ينبغى أن تكون العلاقة بين الحكومة والمواطن قائمة على مشاعر حب أو كراهية أو حتى ميل أو تحيز.
والعلاقة لا ينبغى أن تكون «زواج صالونات» أو حتى مسيار أو متعة، حيث لا مجال لـ«العشرة التى لا تهون إلا على ابن الحرام» أو «نستحمل علشان خاطر العيال». كما لا ينبغى أن تخضع لغضب فجائى فترمى الحكومة على المواطن يمين الطلاق أو يخلع المواطن الحكومة لينجو بنفسه.
على سبيل المثال، هل تثق الحكومة فى تصرفات المواطن حين تطور حديقة عامة وتنفق عليه ملايين الجنيهات لتكون متنفساً للبسطاء؟ وهل يثق المواطن فى الحكومة حين تعده بتوفير فرص عمل بعائد جيد لشباب الخريجين؟
الشكوك التى تنتاب الحكومة فيما يختص بسلوك المواطن فى الحديقة العامة الجديدة ستتأكد أو تنتفى بعد فتح باب الدخول للمواطنين. فإن تركها المواطن نظيفة، فإن الثقة ستوجد لا محالة. وإن تركها خرابة، فإن الحكومة ستعمد إلى أحد حلين: إما أن تستعوض ربنا فى حفنة الملايين التى تم إنفاقها وتترك الحديقة تواجه مصيرها كخرابة إضافية؛ أو ستحيط الحديقة بأسلاك شائكة.
بالطبع تبقى هناك وسيلة واحدة لا ثانى لها للإبقاء على الحديقة مفتوحة ألا وهى توعية المواطن بقيم الحفاظ على الممتلكات العامة والالتزام بالنظافة. ومع التوعية يأتى القانون الصارم الحاسم الذى لا يأخذ إجازة يوم الجمعة أو يحصل على قيلولة وقت الظهيرة أو يطبق على حسين ولا يطبق على عبيد.
أما شكوك المواطن تجاه الحكومة فتظل كذلك قيد التجربة الفعلية. نتخيل مثلاً لو حكومة ما وعدت مواطنين بمشروعات توفر مليون فرصة عمل حقيقى بعائد معقول، فإن وعد الحكومة يجب أن يكون مقيداً بفترة زمنية. ثم يأتى دور وفرة المعلومات حول فرص العمل المقصودة وحتمية الإعلان عنها. نوع المشروعات، وطبيعة فرص العمل التى ستتاح والتخصصات المطلوبة، وهل هى فرص مؤقتة أم دائمة؟ وهل تتيح لصاحبها حقوقاً كاملة من تعيين وتأمينات ورعاية طبية إلخ؟ أم أنها فرص موسمية أو أقرب ما تكون إلى قطاع العمل غير الرسمى؟
توافر هذه المعلومات يتيح للمواطن أن يحدد نوع الثقة التى تربطه بالحكومة. كما تتيح له محاسبة الحكومة فى حال أخفقت.
أما ما عدا ذلك من عوامل الثقة بين الحكومة والمواطن فتبقى يوماً عليها ويوماً عليه وما دائم إلا وجه الله. وهناك من الدول من يستخدم الإعلام لخلق صورة ذهنية لدى المواطن بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما هو موجود. ويستخدم البعض الآخر الإعلام أيضاً لتشويه وتسفيه كل ما تقوم به الحكومة -أى حكومة- حتى يبقى المواطن فى حالة شحن وغضب دائمة. وهناك من يلجأ فى العصر الرقمى إلى منصات التواصل والاتصال لخلق حالة شعورية من الرضا والسعادة أو الحنق والغضب بين الطرفين.
مثل هذه الأدوات المتخصصة فى اختلاق حالة شعورية بعينها خاصة بين الحكومات والمواطنين قد تؤتى ثمارها لبعض الوقت وليس كل الوقت، لكنها غير مستدامة، لأنها ببساطة لا تتبع قواعد بناء الثقة بين الطرفين، والله أعلم.