بقلم : أمينة خيري
طالما الرسمة الأصلية موجودة، يصبح التلوين سهلاً. نطالع الأخبار ومواقع التواصل الاجتماعى، فتجد الغالبية المطلقة تمضى قدماً فى تلوين الرسمة وإضفاء النكهات عليها. ألوان ونكهات لا حصر لها، لكن يبقى جميعها حبيس الرسمة. «كورونا» بطعم الصراعات السياسية الدولية، وأخرى بنكهة أصوات المعارضة الداخلية، وثالثة بألوان الأطياف العقائدية والفكرية والاجتماعية، وخلطبيطة رابعة من ال«لايك» وال«شير» والهبد والهبد الآخر قوامها صحة وخيال واقتصاد وخرافة وسياسة وأكاذيب وحقائق وأخبار وشائعات إلى آخر الخلطة المعروفة، لكن جميعها لا يخرج عن إطار كورونا.
الأخبار الأكثر قراءة لا تخرج عن إطار «فيروس كورونا قنبلة موقوتة فى الشرق الأوسط» «استغاثة من حاملة طائرات أمريكية بسبب كورونا» «علماء السويد يحذرون من أخطار الحجر المنزلى» «رسالة من شواطئ دبى للعالم عن كورونا» «شاهد كيف تبدو رئة المصاب بكورونا» «تزايد معدلات العنف المنزلى بسبب الحجر المفروض على العائلات» «اقتصاد العالم فى طريقة للهاوية بفعل كورونا» «اضغط على الخريطة لترى الدول التى سيستفيد اقتصادها من كورونا. الخرائط التفاعلية «شغالة على ودنه»! اضغط هنا لترى أعداد الوفيات بينما تحدث. تابع هنا لتشاهد نسب المرضى المتعافين. اشترك هنا لتصبح عضواً فاعلاً فى بيانات الإصابات وإجراءات الدول. بات كل شىء بطعم كورونا.
وهو طعم طاغ لا مجال للفرار منه. لكن سكان هذا الجزء من العالم، لا سيما الدول التى مرت بتجربة «الربيع» الشتوى فى عام 2011 يتميزون عن غيرهم من سكان الكوكب بثراء التجربة وحداثتها فيما يختص بتلك المشاعر الإنسانية التى يتم غمرها فى أجواء الأزمة غمراً كاملاً. نتذكر جميعاً تلك الأيام التى كنا مغموسين خلالها إما فى متابعة عداد القتلى فى سوريا، أو تظاهرات جمعة الشرعية وأسبوع الرحيل ومليونية تطبيق شرع الله، أو انشطارات وتضخمات وتوغلات داعش وأبناء عمومها، أو كتائب وميليشيات وتطورات الكتائب والميليشيات والقوات المنقسمة وحروبها ضد بعضها البعض فى ليبيا، أو ضرب الحوثى للقوات المناهضة للحوثى والعكس، أو مسيرات العراق الاحتجاجية وإغلاق الدوائر الحكومية.
أو تظاهرات لبنان وتساؤلاته حول من يدفع ثمن فشل السلطة والمصارف، ناهيك عن العمليات الإرهابية وغيرها من ألوان ونكهات الربيع العربى «ألوان ونكهات الربيع»- والتى ظلت مهيمنة حتى أسابيع قليلة مضت- أغرقتنا حتى الثمالة، حتى كدنا نعتقد أنها ستظل للأبد وستهيمن حتى نهاية عمر الكوكب. وقبلها مر الكوكب بتجربة 11 سبتمبر وانغماسه الكلى فيها، ولكن بدرجات متفاوتة وعلى جبهات متناقضة. اليوم يعترينا هذا الشعور نفسه بأن «كورونا» هى الحياة (والموت)، والحياة هى «كورونا» و(الموت). وبالطبع انتشر فيروس الكتابة حول مفهوم بالغ الجاذبية ألا وهو أن الحياة بعد كورونا لن تكون كقبلها. لكن للعلم فقط والإحاطة، الأجواء نفسها بدءاً بالانغماس الكامل، مروراً بالهلع الشامل، وانتهاء بالخروج الآمن ليست جديدة. هى فقط هذه المرة عتيدة وعنيدة، لكنها ستمضى كما مضى غيرها