بقلم : أمينة خيري
الحديث مع الكاتب الصحفى المخضرم نبيل عمر قادر على تفتيح السكك المغلقة بطرق مغايرة للمألوف. مثلًا كتابه «وصف مصر بالجريمة» عَرَضَ ما يجرى فى مصر الحديثة عبر تشريح الجريمة.. بدلًا من التعامل معها باعتبارها خبرًا فى صفحة الحوادث. كل منها كاشف لما جرى فينا وبنا. وقبل أيام، صدر كتابه الأحدث الذى يحمل ثلاث كلمات عزيزة على عقلى قريبة من قلبى، ألا وهى «تجديد الفكر الدينى» مسبوقة بكلمة «الشيطان».. «الشيطان وتجديد الفكر الدينى».. محاولة عقلانية وهادئة لمراجعة محتوى الفكر الدينى الشعبوى المتداول فى مصر، والذى صار أشبه بـ«الدين الجديد».
هى مراجعة بعيدة عن الصدام والهدم والصياح. وكيف تكون صدامًا وصياحًا وهى مهداة إلى «مريومة وكوكى ورودى وعمورى وحمودى وسينو» أحفاد الأستاذ نبيل، باعتبارها مساهمة منه لهم «لعلنا نفلح فى صناعة عالم بلا تشدد أو تطرف أو إرهاب»!. ويمضى الكتاب بين تشريح ما نحن فيه من فراغ ثقافى سمح بتسلل الشيطان. عملية التشريح بدأت بما جرى أثناء أدائه فريضة الحج وزوجته حين تعرضا وغيرهما من الحجاج لعملية إزاحة بشرية عاتية من مجموعة من الحجاج «الأقوياء» فى طريقهم لرمى الجمرات. ويسأل: «من علّم هؤلاء أن الله فى حاجة إلى العنف من أجل أداء شعائره؟».. وانطلاقًا من هذا السؤال الرمزى ينطلق فى طرح المزيد من الأسئلة وفتح المزيد من الساحات على أمل أن نفكر ونعقل. من يتحمل خطيئة الفهم المجتزئ للقرآن؟ وماذا نفعل حين يكون المسلم نفسه خطرًا على دينه؟ فمثلًا حين يخطب شيخًا فى جموع المسلمين ويدعو الله أن تنزل اللعنة على أعداء الإسلام ويشتت شملهم ويخسف بهم الأرض ويفرقهم، أو يستل سيفًا من ملابسه ويصيح: «المسلمون قادمون وسنحكم العالم كما حكمناه من قبل»، هل يعكس ذلك الشيخ علمًا أم جهلًا بدينه؟.
ويعرج عمر إلى ملف الأحاديث النبوية، ويطرح إشكالية توقف تدوين الحديث بحلول القرن الخامس الهجرى، أى قبل تسعة قرون تقريبًا، ورغم ذلك استمر نقد الحديث جرحًا وتعديلًا من حيث السند والمتن. ويقول إن المدهش أن هناك من سمح بسهولة مفرطة بين القرنين الثانى والخامس الهجرى بالتدوين، رغم أن عمر بن الخطاب كان يضرب أبا هريرة لمنعه من رواية الأحاديث، ما يعنى أن الحاجة ملحة إلى التنقية وليس الإنكار أو الإهمال. باتت التنقية ضرورة لحماية الدين من القتلة والسفهاء والجهلة والعنصريين. وينتهى الكتاب بسؤال: هل كنا أكثر تفتحًا فى الفكر قبل 100 عام؟ وأستعير هذه الكلمات من كتابه: «لقد أسسنا سلطة دينية شعبية لا وجود لها فى الدين، تحدد لنا ما نفعله وما نبتعد عنه. هذه السلطة الدينية الشعبية هى التى تعمل على تحويل مصر إلى دولة دينية، والأمر يتعلق بأسلوب الحياة فى الشارع. ولو صنع المسلمون الأوائل مثلما نصنع الآن من تديين الحياة، لما بنوا حضارة عظيمة على الإطلاق»