بقلم : أمينة خيري
ما جرى فى الإسكندرية من استجابة لدعوات لتسيير تظاهرات مناهضة لـ«كورونا» والدعاء عليها، وما يجرى على مجموعات التواصل الاجتماعى من دعوات لسكان العمارة أو الشارع لترديد تكبيرات العيد لترهيب الفيروس، ناهيك عن كم الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى للأخ فلان الذى يؤكد أن «كورونا» يعبر عن غضب الله على أمة الإسلام والمسلمين لأنهم تخلوا عن الدين والشريعة، أو تلك القصة المتداولة عن الطفلة التى ولدت قبل أيام، مرة فى مستشفى طنطا، وأخرى فى مستشفى طهطا، وثالثة فى مستشفى طلخا وتكلمت وهى ابنة بضع ساعات لتخبر من حولها أن سبب البلاء وانتشار الفيروس هو أن أمة محمد لم تعد تتمسك بالقرآن ثم توفيت ينبغى أن يخضع للدراسة ووضع الحلول السريعة.
الحلول السريعة لن تأتى بموجات السخرية المضادة حيث اتهامات بالهطل والجهل والغباء. كما لن تأتى بخناقات تقطيع الهدوم الدائرة رحاها بين فريق المؤمنين أوى جداً خالص التابعين لمدرسة «رميت الشنطة على الأرض وفيها كتاب الدين يا كافر» وفريق المؤمنين العقلانيين الذين حموا أنفسهم من نيران الهسهس الذى ضرب جذور مصر قبل نحو نصف قرن، ومستمر فى الضرب والانتشار والتوسع والتوغل.
توغل الفكر المهسهس للدين، حيث متعلمين ومثقفين يتصورون أن «التفرغ» للدعاء من شأنه أن يدرء عنا البلاء، وذلك لحين ينتهى الغرب «الكافر» «الزنديق» من الخروج بمصل أو علاج أو كليهما يحتاج تحليلاً علمياً. واعتبار كثيرين أن انتقاد فكرة «التفرغ للدعاء» أو «المطالبة بإغلاق دور العبادة لتطويق الفيروس» أو اعتبار الخروج على الأسطح وترديد الآذان والتكبير والحوقلة لتخويف الفيروس هو نوع من ذهاب العقل وغيرها لا تخرج إلا من أشخاص قليلى الإيمان وكارهى الدين ومحاربى المتدينين يحتاج وضع حلول سريعة لتطويق وسواس التدين القهرى.
«كورونا» كشف عن موجة واضحة صريحة لوسواس قهرى حيث الشكل الوحيد المعترف به للتدين هو الصياح والزعيق، والطريقة الوحيدة المقبولة لمواجهة «كورونا» المتطلب التباعد الاجتماعى والجغرافى بين الأشخاص، هو حشد الأشخاص وتجييشهم والتكبير بغرض ترهيب الفيروس. ولا أدرى لماذا تذكرت مشاهد هزلية لجموع البسطاء فى دول مثل أفغانستان وباكستان، وهم يتجمعون بالآلاف لمحاربة أمريكا أو إسرائيل أو هولندا أو الدنمارك عقب حوادث وأحداث عدة. وتكون الحرب عبر صراخ هائل «الموت لأمريكا» أو الدنمارك أو غيرهما لدرجة أن العروق تنفر فى وجوه الجموع.
ثم يتم حرق علم الدولة المراد ترهيبها وسحقها، وهنا تتهلل الأسارير وتبتهج الجموع، ويبدأون بالقفز الهستيرى على رماد الحريق مكبرين ومحوقلين. وبعدها يعود كل منهم أدراجه من حيث أتى استعداداً للحرب المقبلة لسحق هذه الدولة أو تلك. تلك هى المأساة التى تمعن الملايين فى الإغراق فيها. الشعور بالضعف وقلة الحيلة مفهومان تماماً. والتوجه إلى السماء لطلب النجاة أمر عظيم. لكن بين الجنون والإدراك شعرة اسمها «المنطق المفقود».