توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مسرح المترو الكبير

  مصر اليوم -

مسرح المترو الكبير

بقلم - أمينة خيري

وما مترو الأنفاق إلا مسرح واقعى كبير. كل همسة وتفصيلة فى هذه العربات تنضح بما يمكن أن يملأ كتباً عن حياة المدينة المصرية فى القرن الحادى والعشرين. ظللت سنوات طويلة أعتبر نفسى «عاشقة المترو الأولى فى مصر». مهما كان مزدحماً أو يفتقد التهوية الصحية كان الوسيلة الأسرع والأنظف وبالطبع الأرخص للانتقال من شرق العاصمة إلى جنوبها أو وسطها. وحتى سنوات قليلة مضت، كانت قواعد الضبط وأصول الربط واضحة وضوح الشمس فى تفاصيل المترو.

تفاصيل المترو التى تغيرت وتبدلت مع تغير ما جرى لمصر وبها وفيها على مدار السنوات السبع الماضية تتحدث أيضاً عن نفسها فى داخل هذا الصرح العملاق. وعلى الرغم من جهود شعبية مستمرة لتحويل محيط محطات بعينها إلى أسواق شعبية، حيث بيع خضراوات وفواكه، وملابس وأدوات منزلية وغيرها من البضائع الرائجة فى فترة الظهيرة التى تتواكب ونزوح ملايين الموظفين الحكوميين من مكاتبهم بعد سويعات من «العمل»، إلا أن الجهات المختصة كانت تحول دون ذلك، فتتركهم تارة وتطاردهم تارة، لكنهم ظلوا يجلسون على كف عفريت خوفاً من مداهمة هنا أو «كبسة» هناك.

اليوم لا مداهمة ولا كبسة ولا يحزنون. ليس هذا فقط، بل إن السوق توسع وتمدد وتوغل، انتقلت معالمه وعوالمه إلى قلب عربات المترو. عربة السيدات فى الخط الأول فى مترو الأنفاق باتت أقرب ما يكون إلى سوق الثلاثاء لكن طيلة أيام الأسبوع.

تصعد سيدة تبيع الـ«سويت السورى» والإكسسوار الصينى والشاى الكينى، ليترجل زميل فاضل كان يعرض ما لديه من معصم المحجبة وشراب المحجبة وإيشارب المحجبة. وبينما هى تصعد وهو يترجل يتسلل إلى العربة ثلاثة من الصبية يحمل كل منهم بضاعة ما: حلوى مجهولة المصدر، كتب مطموسة المحتوى، أدوات مكياج دون جهة تصنيع. وبينما هم يصرخون فى عربة السيدات فى محاولات زاعقة لبيع ما يحملون، تصعد إحدى الشحاذات المحترفات الكثيرات بجسدها العفى الفارع، لتستحث الجميع على أن يصلين على من سيشفع فيهن يوم القيامة.

ولأن فتاتين واقفتين إلى جوارها لا تتمتمان كما تفعل الأخريات، فإنها تخبرهما بصوت أجش «عنكم ما صليتوا». وفجأة يتحول الصوت الأجش والقامة الفارعة العفية إلى حطام امرأة. نهنهة وشحتفة وكلمات متحشرجة: «عيانة يا ولادى. جوزى مشلول، وولادى الأربعة معوقين. شايلة الطحال وكلوة ومحتاجة علاج للكبد. آه والله يا ولادى».

«ولادها» فى هذه اللحظة يهرعن إلى البحث عن جنيهات غارقة فى قاع حقائبهن ويسارعن إلى مساعدتها. يحين موعد الوصول إلى المحطة المقبلة، فتسترد عافيتها فجأة، وتترجل انتظاراً لضحايا جدد.

الحق يقال تم تكثيف الوجود الأمنى فى داخل المحطات، لكن آه وألف آه من العنصر البشرى الذى ضرب بعضه التجريف فى مقتل. فعلى الرغم من تجمهر ما لا يقل عن أربعة أفراد بين أمناء شرطة وأفراد أمن حول كل جهاز كشف عن المتفجرات، فإن تمرير الحقائب عليه متروك لرغبات الجمهور، بمعنى أن من يريد أن يعرف إن كانت حقيبته تحتوى متفجرات يمكنه وضعها على الجهاز، أما من لا تتوافر لديه الرغبة، فعليه المرور بحقيبته دون أن يضايقه أحد أو يجبره على فعل ما لا يود أن يفعل.

الأفعال فى المترو كثيرة وردود الفعل أيضاً كثيرة. فحين يعترض مواطن سخيف مثلى على مبدأ الاختيار فى التفتيش، يجد أمين الشرطة مخبراً إياه بأنه «مش مشكلة»، وإن تمادى المواطن فى سخافته ورذالته متسائلاً عن الوضع فى حال انفجرت قنبلة فى الداخل، فمن حق الأمين أن يفحمه ويرد عليه الرد المعلمى العلمى الأكيد: «ربنا هيستر إن شاء الله».

وبينما يستر الله ولا نستر نحن وكأننا نرفض أن نتعلم أو نتطور أو نتقدم، تمضى عربات مترو الأنفاق لتؤكد لنا مما لا يدع مجالاً للشك أن ما عربة المترو ومحطاته وموظفوه وركابه إلا مسرح كبير!

نقلا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسرح المترو الكبير مسرح المترو الكبير



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon