بقلم : أمينة خيري
الوطنية رقى. والدفاع عن الوطن سمو. والغضب لدى الإساءة إليه أو تعرضه للخطر طبيعى لكل ذى حس أو ضمير. والوعى بما يجرى حول الأوطان من سياسات ومؤامرات وتوازنات ومصالح ومؤامرات مهم. والتربية السياسية حيوية. والإلمام بوجهات النظر المختلفة ضرورى. والتراكم المعلوماتى والمتابعة لما يجرى على الساحة من تحليلات يطلقها أصحاب التوجهات والمدارس الفكرية المختلفة أمور ضرورية حتى يكون المواطن قادراً على تكوين فكرة. لكن أن تتحول الوطنية والوعى والمعرفة إلى عك وشرشحة وتحويل الساحات الإعلامية إلى صراخ و«فرد ملايات»، فهذا أمر قبيح. وأسباب القبح كثيرة. فمن جهة، هناك مسؤولية أخلاقية وقيمية ملقاة على عاتق كل من يعمل بالإعلام مفادها ألا يساهم فى تعميق التدنى الأخلاقى وتجذير التفتت القيمى. وإذا كنا نشكو من طريقة البعض فى الكلام والصوت العالى واستخدام الكثير من الألفاظ غير اللائقة والعنف فى التعامل مع بعضنا البعض، فإنه من باب أولى ألا يساهم إعلاميون فى هذا التردى. من جهة أخرى، إذا كان النضال الحنجورى يسفر عن فوائد، لما وصلت إليه أمم وقبائل حنجورية إلى ما وصلت إليه على مدار التاريخ من ترد وضعف. ونحمد الله كثيراً على ما لدينا من احتراف سياسى أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم بعد سنوات ما بعد أحداث يناير 2011 ويونيو 2013 من تقلبات وتوترات، ناهيك عن التهاب الإقليم من حولنا من ألفه إلى يائه.
احتمال آخر ربما يساعدنا على فهم ما نشهده أحياناً على بعض الشاشات من أساليب غير لائقة تماماً فى «التحليل» السياسى هو أن تكون هذه محاولات يتبرع بها البعض لعله يضمن مكانة لنفسه فى قطار المقربين والمقربات من السلطة. وأغلب الظن أن السلطة لا تلتفت كثيراً إلى هذه «التبرعات» لأنها تعرف أن المتبرعين لا عزيز لديهم أو غال. أما إذا كان ما يقترفه البعض من «فرد ملايات سياسية» على الهواء مباشرة نابعاً من إيمان عميق ويقين أكيد بأن هذه هى الطريقة المثلى للدفاع عن الوطن وترهيب الأعداء، فإن المصيبة تكون أكبر وأعتى. وعموماً، فإن الكوكب ملىء بدول تعادى دولاً، وعلاقات سياسية متوترة، وصراعات بعضها دموى والبعض الآخر اقتصادى مكتوم. وهو متخم كذلك على مر التاريخ بمنافسات بين الأمم، ومؤامرات يحيكها هؤلاء للإيقاع بأولئك، ومصالح تتصالح اليوم وتتعارك غداً. إنها سنة السياسة. وعلى سبيل العلم بالشىء، فإنه يمكن للمهتمين والمهتمات والمهمومين والمهمومات أن يلقوا نظرة على الطرق المختلفة التى يتعامل بها الإعلام مع هذه المجريات، ولو من باب العلم بالشئىء. صحيح أن البعض يفعل مثلنا، لكن هناك من ينتهج أساليب أخرى وأدوات مختلفة ويصل إلى غايته ولكن بطريقة غير فجة وأبعد ما تكون عن المباشرة، ودون إلحاق الأذى السلوكى لشعوب مازالت تعتبر الإعلام جهة ثقة والإعلامى قدوة. والله أعلم!