بقلم : أمينة خيري
حرب ضارية تدور منذ الكشف عن تدوينات كتبها الفنان أحمد الرافعى الذى يلعب دور عمر رفاعى سرور أو أبوعبدالله المصرى «مفتى الدم» على «فيسبوك». لكن ألوان الحرب الضارية حالياً والموجهة على شخص الممثل أحمد الرافعى يجب أن يعاد توجيهها. التنقيب فى صفحة الممثل الشخصية أسفر عن اعتناقه فكراً يجعله يؤمن بأن فرج فودة «نفق» وأن إسلام البحيرى هو «إلحاد البحيرى» وأن أفكار خالد منتصر تؤهله لأن يكون خالد متنصر. وهذا يدفعنا مجدداً لإعادة النظر فى بالوعة «الإسلام السياسى» الذى تمكن من «غالبية» المصريين. صحيح أن درجات تمكنه مختلفة، ونصوص تشدده لا تتبع منهجاً واحداً لكن الملايين ممن تعتقد أنها معادية للإسلام السياسى هى فعلياً غارقة فيه حتى الثمالة.
ثمالة مجتمعنا آخذة فى التعبير عن نفسها والكشف عن محتوياتها يوماً بعد يوم. والممثل المذكور لا يجب أن يحاسب على معتقداته- وهو قال إن كل ما يؤمن به أو ينتهجه فى حياته مرجعيته الأزهر الشريف- لأنه واحد ضمن ملايين. هو نتاج عقود من تمكن هذه التركيبة الثقافية قبل أن تكون دينية، والتفسير المستورد للدين، والتى لم تشغل بال الحكام أو المحكومين على مدار ما يزيد على نصف قرن، وقبلها ثلاثة عقود من تنامى فكر جماعة الإخوان.
هذه العقود- سواء عقود انتشار فكر الإخوان أو تغلغل ثقافة مستوردة ترتدى عباءة الدين وجلبابه- أفرزت ملايين المعلمين والمعلمات ممن يبثون سمومهم الفكرية فى أدمغة النشء وهم يعتقدون أنهم يقومون بمهامهم التربوية المقدسة، وأنتجت آلاف المدارس التى يقوم التدريس فيها على نشر نسخة من الإسلام قائمة على الفوقية والعنصرية وكراهية الآخر وازدراء الحياة. كما أنتجت ملايين العائدين من سنوات الهجرة الاقتصادية معبئين بأفكار تزدرى الحضارة وتمقت العلم وتبجل الخرافة وتنصّب أى لحية «شيخاً» و«مرجعية».
مرجعيتنا فى خوض الحرب الفكرية الحالية ليست فى مناطحة الفكر الدينى المتشدد بفكر دينى آخر يحلو لنا أن ننعته بـ«الوسطى» أو «الجميل» إلخ. ولو أصررنا على هذا المنهاج، فإن قدوم فكر دينى ثالث يطرح الفكرين الأولين أرضاً مسألة وقت.
كتبت قبل أشهر أتساءل: أين ذهب متظاهرو الشرعية الذين ملأوا الدنيا صراخاً وقت الإطاحة بحكم الجماعات الدينية، ولا سيما من الشباب والشابات من طلاب جامعة الأزهر؟ هل إخماد تظاهراتهم أخمد فكرهم؟ وهل التنقيب فى تدوينات ممثل أو سياسى أو عميد كلية وكشف توجهاته من شأنه أن يلغيها؟ وأزيدكم من الشعر بيتاً. كثيرون غاضبون من أن مسلسل «الاختيار» يصور التيارات الدينية باعتبارها عدواً رغم أن العدو الحقيقى هو غير المسلمين. نعم، بيننا ملايين ترى أن المسلم الذى يفجرك ويكفرك أقرب إليك من غير المسلم. هتحلها إزاى بقى؟! مواجهة الإسلام السياسى بإسلام سياسى آخر فيها سم قاتل.