بقلم:أمينة خيري
استكمالًا لحديث أمس، فإن المرحلة الثانية أو التالية فى الحرب الدائرة فى الإقليم ليست إذًا اليوم التالى كما كنا نعتقد.. هى مرحلة جديدة قديمة، تُستكمل فيها مكونات طبخة المنطقة تشابكها وتعقدها. إنها الجزء الذى سيكشف عن ملامحه الحقيقية بمرور الأيام؛ حيث التفاعل الاستراتيجى بين الدين والأيديولوجيا والسياسة، وضلوعها فى رسم وتحديد معالم خريطة الشرق الأوسط الجديد.
الغالبية- من المتابعين والمتلقين بمن فيهم ضحايا الحرب الضروس الدائرة- غارقون تمامًا فى متابعة عدادات القتلى والمصابين، وتحركات اللجوء والنزوح، والرشقات الصاروخية هنا وراجمات الصواريخ هناك، وسياسات دول العالم بين مبدٍ للقلق ومعبر عن الصدمة ومحاول للإمساك بعصا شجب حماس وانتقاد إسرائيل، وهذا أمر طبيعى.
ولولا فداحة عدادات القتل والإصابة والتدمير والتهجير، لقلنا إنها خطة مقصودة ونية مبيتة لصرف الأنظار بعيدًا عن إعادة رسم خريطة المنطقة. إنها الخريطة الجارى رسمها بكل هدوء.
«ما يجرى فى لبنان هو آلام الولادة القاسية لشرق أوسط جديد». ما أشبه حرب اليوم بحرب الأمس، وأول من أمس، وأول أول من أمس، وغدًا وبعد الغد. «آلام الولادة القاسية» التى أشارت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس فى يوليو عام ٢٠٠٦، هى نفسها «آلام الولادة القاسية» التى يشهدها لبنان، وبالطبع غزة ومعها الضفة الغربية حاليًا. الولادة لم ينجم عنها بالضرورة مولود جديد جميل، لكنه فى حالة الشرق الأوسط، وتشابك ثالوث الدين والسياسة والأيديولوجيا، مولود بملامح معروفة مسبقًا. مولود لا يمت بصلة لكتابات وتنظيرات ودراسات «الشرق الأوسط الجديد» القائم على قيم اجتماعية متطورة، وأهداف اقتصادية بازغة، وآفاق تعليم وتنوير واسعة، ومهارات تعليمية وعملية وتقنية تساعده على اللحاق بركب التقدم والإنسانية الذى يليق بالبشر فى الألفية الثالثة، لا بالقرون الوسطى أو حروب المائة أو الألف عام المدمرة.
إلا إذا حدث تطور مفاجئ على الساحة، تسير المنطقة بكل ثقة نحو المرحلة الثانية من الصراع، الصراع الطائفى الإسلامى، أو ما تطلق عليه مراكز بحثية على مدار سنوات طويلة «الشرخ السنى الشيعى»، والذى هو بالمناسبة ليس إلا وسيلة لتحقيق المصالح السياسية وبسط النفوذ الجغرافى. وإحدى أهم وأقوى أدواته هى القاعدة الشعبية.
القاعدة الشعبية التى كان يتم استخدامها لتخويف السنة من الخطر الشيعى، وترويع الشيعة من الخطر السنى، هى نفسها التى يجرى استخدامها اليوم فى «الحرب بين اليهود والمسلمين» أو بين «اليهودية والإسلام».
القضية الفلسطينية لم تعد قضية، ولم تعد فلسطينية، بل لم تعد مسألة احتلال فى الرواية الشعبية. أصبحت مسلمين يتجرعون عدوانًا غاشمًا من اليهود. لذلك، تجد من كانوا حتى الأمس القريب فى القاعدة الشعبية ذاتها يعاودون نشر التدوينات والتغريدات المحذرة من المد الشيعى أو من الهيمنة السنية، هم أنفسهم الذين يصفقون ويهللون للدور الإيرانى، وهم أنفسهم الذين سينقلبون عليه فى المرحلة الثانية من الحرب.