بقلم : أمينة خيري
تمر فى حياة الشعوب لحظات تستوجب ممارسة قدر من المسؤولية عكس اتجاه شهوات النفس البشرية. ومن شهوات النفس شهوة الإفتاء والتنظير وإيجاد حلول فيما نعلم ولا نعلم، وذلك على منصات التواصل الاجتماعى بأنواعها. سنوات ما بعد أحداث يناير 2011 شهدت تحولاً جذرياً لاستخدامات هذه المنصات التى أصبحت بحق أداة لتمكين الجميع، سواء للاطلاع أو التعبير عن الغضب أو التأييد أو طرح الأفكار، وهذا عظيم. وشخصياً كنت أوائل المحتفين بمنصات الدمقرطة الشعبية منذ بزوغ عصر الـBlogs أو المدونات فى أوائل الألفينات. لكن جميعنا أيضاً يعلم أن الأسلحة ذات الحدين لا تلحق الضرر بالأعداء فقط، لكنها قادرة على إلحاق الضرر بالمستخدم أيضاً. ومنصات التواصل الاجتماعى ليست استثناءً. مكنتنا من التعبير، لكنها أيضاً مكنت آخرين من رقابنا. والحل لا يكمن فى الحجب والمنع لأنهما سلاحان عفا عليهما الزمان. ونعود إلى اللحظات الحرجة المشار إليها، حيث مسألة سد النهضة ومجرياتها الحالية.
مفهوم بالطبع أن المياه مسألة حياة أو موت. ومفهوم أيضاً أن مصر والنيل وجهان لحياة واحدة. ومفهوم كذلك أن الغالبية المطلقة من المصريين على قلب مواطن (ة) واحد فيما يتعلق بشريان الحياة، اللهم إلا أولئك الذين بلغوا درجة من كراهية أنفسهم فكرهوا بلدهم وشعبه وتمنوا له الخراب وله الفناء كنوع من الانتقام، إما لضياع حلم الحكم فى 2013، أو لتبدد رغبات سياسية وأيديولوجية فى 2011. أفهم وأحترم أن يكون هناك غاضبون أو منتقدون أو معارضون، لكن «ساعة الجد» يبقى النيل نيلاً والماء شريان الحياة. وما يدور على منصات التواصل الاجتماعى من هبد ورزع فى شأن السد ومفاوضاته وعراقيلها والتفافاتها والألعيب ما خفى منها وما بطن أمر طبيعى. فإذا كنا ننخرط فى موجات من السجال والخناق والاتفاق والاختلاف بسبب فستان فنانة أو هدف فى مباراة أو شعر مومياء، فإنه من الطبيعى أن نجد أنفسنا فى موجة عارمة بسبب السد. ولكن نعود إلى واجبنا تجاه أنفسنا قبل أن يكون تجاه آخرين، ألا يمكن للهبد أن يؤدى إلى نتائج غير محمودة؟ وهل يُحتَمل أن يسفر الرزع عن آثار نحن فى غنى عنها، لا سيما أننا فى هذا الصدد نتحدث عن هبد ورزع وليس عن تحليل خبراء وشرح متخصصين. بالطبع هذا الاهتمام العنكبوتى العارم بالمسألة أمر إيجابى، ناهيك عن كون الاهتمام مشروعاً ومفهوماً. ولكن حين يمرض قلب أحدنا، هل يتوجه إلى طبيب تجميل طلباً للعلاج؟ بالطبع لا. هل هذا يعنى أن طبيب التجميل جاهل أو تافه أو خائن؟ بالطبع لا. لكنه يعنى أن العلة تتطلب تخصصاً مختلفاً. ولو أدلى طبيب التجميل بدلوه، فقد يجتهد ويسفر اجتهاده عن كارثة. لذلك، فإن ما نحتاجه حالياً هو إعلام قادر على الإخبار وليس التهييج أو الهرى، ومواطن قادر على ضبط النفس والصيام عن الإفتاء