بقلم : أمينة خيري
كان وسيظل عيد الأم من أجمل الأعياد. الاحتفاء بالأم شعور مستمر ومتغلغل. لكن ستظل فكرة رائعة أن يتم الاحتفاء بالأمهات اللاتى ولدن أبناءً وبنات، وأولئك اللاتى ربين وأثّرن فى بنات وأبناء، دون شرط الولادة فى يوم ربيعى من أيام العام. ورغم فقدانى والدتى الحبيبة قبل أيام قليلة، وهو فقدان أعمق من أى كلمات رثاء أو دموع بكاء، إلا أننى لا أحبذ أبدًا مطالبات البعض بعدم الاحتفاء به مراعاة لمشاعر من فقدوا أمهاتهم. بل أرى فى مثل هذه المطالبات تقليلًا من سمو مكانة الأمهات ومشاعرنا تجاههن. فوجود الأم جسديًا لم ولن يكون أبدًا شرطًا للاحتفاء بها.
مرة أخرى نحتفى بالأم وما تمثله الأم، وليس بأم بعينها أو بفئة من فئات الأمهات دون غيرهن. ولهذا أقول إنه لا يصح أبدًا أن نصر على المضى قدمًا فى حفر وتثبيت صورة نمطية واحدة لا ثانى لها لـ «الأم المثالية». مفهوم تمامًا أن الأم المطحونة المسحوقة المضروبة الغارقة فى فقر مدقع، هى أم مكافحة وتستحق أن نحملها على الأعناق، وندين لها جميعًا بالعرفان والاحترام. وبالطبع كلما زادت توليفة المصاعب والضغوط، حيث وفاة الزوج المبكر أو مرضه أو محاربة أهله لها، أو تخلى أهلها عنها، أو اختيارها الطريق الصعب، حيث تعليم الأبناء رغم ضيق ذات اليد، أو غير ذلك من الضغوط الرهيبة- اعتبرناها جميعًا أمًا رائعة ونموذجًا يحتذى.
لكنى أعترض قلبًا وقالبًا على تنميط «الأم المثالية» دائمًا وأبدًا فى تلك المرأة المسحوقة تمامًا، أو التى تعيش فى العدم أو الغارقة وأسرتها فى الضنك والعوز والبؤس والشقاء. أعلم تمامًا أن هذا يحدث منذ تم ابتكار عيد الأم فى مصر قبل 66 عامًا. لكن «الأفورة» سمتنا، والتنميط من عيوبنا، وصناعة آلهة بأفكار جامدة قاسية عنصرية احترفها البعض حتى صارت غير قابلة للمساس، وإن مسسناها تم نعتنا بالفوقية والطبقية وعدم الإحساس بالآخرين.
ومثل هذه الوصمات من شأنها أن ترهب كل من تسول له نفسه أن يقترح الخروج من حصر صورة الأم «المثالية» فى تلك السيدة الرائعة مدقعة الفقر أو شديدة البؤس التى تصعب على الكافر. ألا تستحق الأم المنتمية للطبقة المتوسطة، والتى لا تسف ترابًا بالضرورة، وربما لديها قصة نجاح ثرية، أن تكون نموذجًا يحتذى؟.. ألا تستحق الأم الأنيقة التى غرست فى أبنائها قواعد الذوق والأدب فى التعامل، مظهرًا وجوهرًا، أن تكون نموذجًا يحتذى؟.. ألا تستحق الأم المبتسمة خفيفة الظل، أو صاحبة النظرة الفلسفية فى الحياة، أو المعتنقة الأسلوب العلمى العملى فى التربية أن تكون نموذجًا هى الأخرى؟. هذه ليست دعوة لإقصاء الفقراء والمساكين، لكنها دعوة ليتسع صدر الفقراء والمساكين لغيرهم، ممن قد يكونون أوفر حظًا اقتصاديًا لكن لديهم نماذج لأمهات تحتذى، وقصص نجاح ليست غارقة بالضرورة فى تراجيديا القحط والضنك.