بقلم : أمينة خيري
من يتابع الانتخابات الأمريكية 2020 يخرج بدروس عدة، أهمها «سِر مع تيار التكنولوجيا المعلوماتية والإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعى، ولا تَسِر عكسه». وبغض النظر عن هوية وتوجهات وسياسات الرئيس الأمريكى الجديد، فإن رؤى العين ومتابعة الأحداث والحوادث وتحليل محتوى الحملتين الانتخابيتين والتغطيات الإعلامية «التقليدية» تؤكد جميعها أن مواقع التواصل الاجتماعى عامل شديد التأثير، إن لم يكن ضمن الأعلى تأثيرًا، بل ربما يكون الأعلى تأثيرًا فى الانتخابات الأمريكية. وبعيدًا عن الإجراءات «التأمينية» التى اتخذها كل من «فيسبوك» و«تويتر» منذ بداية الحملتين وربما قبلهما لإبراء ذمتهما وتبييض سمعتهما التى تلوثت عقب انتخابات عام 2016، والتى اتُّهما فيها بفتح أبوابهما أمام رسائل روسية تأجيجية ساهمت فى إحداث شروخ وانقسامات عديدة بين الناخبين الأمريكيين، إلا أنها ظلت لاعبًا رئيسيًا ومؤثرًا استراتيجيًا فى تحديد من يسكن البيت الأبيض لأربع سنوات مقبلة.
كل من «ترامب» المغرد بكثافة وصاحب مجموعة فاعلة وفعالة من «المؤثرين» المحترفين، والملوح دائمًا بفرض عقوبات على مواقع التواصل الاجتماعى وإخضاعها للوائح تنظيمية مشددة.. و«بايدن» الملتحق بالمنصات العنكبوتية بأسلوب يبدو أنه أكثر التزامًا ومهنية، رغم أنهما فقدا قيمتهما على أرض الواقع على ظهر هذا الكوكب، سيدين بالفوز أو يعلق الخسارة على مواقع التواصل الاجتماعى والمنصات العنكبوتية بأنواعها. صحيح أن من يبدو «افتراضيًا» أنه الأوفر حظًا ليس كذلك بالضرورة على أرض الواقع، إلا أن أرض الواقع شديدة وسريعة ومكثفة التأثر بما يدور على ساحة الإنترنت. حتى المنصات الإعلامية التقليدية سلمت بأن اليد العليا صارت للشبكة العنكبوتية، أو على الأقل صارت ذراعا الإعلام التقليدى والجديد متساويتين.
أحد الفروق الملحوظة بين انتخابات 2016 و2020 هو أن موجات الانتقاد والاعتراض والتشكيك المستمرة، سواء على مستوى المرشحين أو على المستوى الشعبى ستخفت. هذا الخفوت لن يكون نتيجة تنقية لضبط أداء مواقع التواصل، بقدر ما هو ناجم عن تحولها إلى أمر واقع فى الحياة. صحيح أن جولات الكر والفر بين من يحاول أن «يصحح» مسارها و«يراقب» محتواها مستمرة، لكنها نجحت فى أن تصنع لنفسها مكانة الصدارة شَاء من شاء من الساسة، وأَبى من أبى من المواطنين.
الظاهرة الأخرى اللافتة فيما جرى على الساحة العنكبوتية خلال السنوات الأربع الماضية هى أن اتهامات نشر الأخبار الكاذبة وتضليل الرأى العام وتوجيهه بناء على أجندات ومصالح لم تعد حكرًا على جهات خارجية وقوى أجنبية، بل أصبح الكثير منها محلى المنشأ. وهنا ينبغى الإشارة إلى أن مصر كانت سباقة فى هذا المجال، حيث الكثير من الميليشيات الإلكترونية المنظمة والمحاولات الفردية المبعثرة للتشكيك أو الحشد أو التجييش أو نشر الأخبار الكاذبة محلى المنشأ.
وبعيدًا عن أثر الانتخابات علينا من تحول فى السياسات، يبقى الدرس الأكبر المستفاد هو السير مع التيار بدلًا من محاولة إيقافه.