بقلم : أمينة خيري
«ليه لأ؟!» يذكرنا بطبقة مهددة بالانقراض فى مصر اسمها الطبقة المتعلمة تعليمًا جيدًا، المواكبة للعصر بشكل معقول، المتشبثة بالعادات والتقاليد المصرية قبل مسوخ السبعينيات، والتى كدنا ننسى أنها موجودة بيننا تحت وطأة غزو «اللمبى» وتوغل «الأسطورة» من جهة، وجدلية دخول الحمام بالرجل الشمال وحكم وضع قطرة العين أثناء الصيام من جهة أخرى. نسمات هواء عليل ترطب حرارة أغسطس القائظة وأحداث الكوكب الملتهبة عبر المسلسل المتاح على أحد تطبيقات المشاهدة. يحوى العمل قائمة نسائية رائعة، منهن مريم نعوم المشرفة على ورشة السرد، ومريم أبوعوف المخرجة، والفنانات أمينة خليل وهالة صدقى وشيرين رضا وعايدة الكاشف ومريم الخشت، بالإضافة إلى توليفة جميلة من الفنانين الرجال، منهم محمد الشرنوبى وهانى عادل وعمر السعيد وصدقى صخر والرائع تميم عبده، ولا ننسى أغنية التتر التى تقول الكثير عن موضوع المسلسل «اللى قادرة» بصوت آمال ماهر الجميل. شعور عميق بالنوستالجيا لابد أن يتملك المشاهد وهو يستمع إلى مخارج ألفاظ الممثلين. إنها مخارج ما قبل زمن «اللمبى» و«أساحبى» و«يا برنس»، وتلك اللغة الجديدة المعتمدة على التطجين وحرف العين المهيمن على أغلب الحروف. ويدرك المشاهد ما وصلنا إليه من سلوكيات حين يستمع إلى كلمة «شكرًا» و«آسف» و«من فضلك» و«لو سمحت» تتكرر، ويكتشف أن آخر مرة سمع إحدى هذه الكلمات فى الشارع كانت فى ثمانينيات القرن الماضى. ويبدو أن القائمات والقائمين على «ليه لأ» اتخذوا قرارًا بتقديم هذه الشريحة المجتمعية المهددة بالانقراض بعيدًا عن حياة الكومباوند والفيلات الشاهقة الفارهة باستثناء فيلا واحدة من هذه النوعية. أغلب المشاهد الخارجية فى شوارع وعمارات وشقق فى وسط القاهرة والزمالك، وهى المناطق التى كادت تختفى من الأعمال الدرامية الجديدة. حتى محتويات الشقق تبدو مألوفة. فلا هى بهرجة فيلات أثرياء الحرب، ولا هى الفقر المدقع والغلب البائس الشائعان. إنها بيوت مصرية أصيلة لأشخاص ينتمون لتقسيمات الطبقة المتوسطة، رمانة ميزان المجتمعات الصحية. حتى ملابس الممثلين والممثلات هى تلك التى يرتديها المصريون الطبيعيون، فلا هى وارد ثقافات أخرى غير ثقافتنا، ولا هى مُبالغ فى رونقها وأسعارها. سر روعة التفاصيل الصغيرة فى «ليه لأ؟!» يكمن فى أنها طبيعية. لكن الطبيعى يعتبره آخرون شريرًا وخبيثًا. منهم من سلم نفسه لثقافة السبعينيات القبيحة، ومنهم من احترف دفن الرؤوس فى الرمال. استقلال الفتاة مطروح للنقاش فى المسلسل، لكنه بالطبع يلقى تقطيعًا بالسواطير وجدلًا بالكرابيج من أعضاء جماعة الأمر بالمعروف. منظومة «الزواج.. وكيف ولماذا نتزوج؟» يعالجها المسلسل برؤية واقعية حتى لو ظلت مرفوضة من المجتمع. الصراع بين الأجيال ومتى وكيف يفتح الكبار الباب أمام الصغار أيضًا تتم معالجتها بعذوبة شديدة، ناهيك عن التعرض لعمل الأطفال، وإيواء الكلاب بعيدًا عن جنون تسميمهم، والعنف المنزلى، وغيرها.
الفن قادر على تطهير المجتمع؟! ليه لأ؟!