بقلم - أمينة خيري
لا أفهم فى كرة القدم كثيراً، أو بوجه أدق لا أفهم فى كرة القدم أى شىء، لكنى -شأنى شأن ملايين المصريين- أحب محمد صلاح جداً، أعشق الشعور الذى بثه فينا، من فخر، زهو، أمل، تفاؤل، بهجة والقائمة طويلة، إنه الشعور الذى عشنا بدونه عقوداً طويلة، حيث افتقاد هذا الشعور الكامن بالزهو بأننى «مصرى»! صحيح لدينا بدل الأغنية عشر، وبدل اللت والعجن الموسمى حول أننا أعظم شعوب الأرض وأقوى أمم الكوكب، لت مستمر وعجن لا ينقطع، إلا أن بزوغ شخص مصرى يسرب إليك هذا الشعور بالفخر دون صخب أو هرج وحده كفيل بحب صلاح، وأحب صلاح كذلك لأسباب غير علمية ترتبط على ما يبدو بهذا الدعاء العبقرى الذى حتماً دعاه أهله له ألا وهو «روح يا ابنى ربنا يحبب فيك خلقه»، فهناك شىء ما فى هذا الشاب يجعلك تحبه، ربما تكون نظرة عينيه، حيث الخليط المبهر بين الحياء والشقاوة، أو تلك الابتسامة العريضة التى تجدها دائماً مرسومة على وجهه، وأضيف أن شعره ولحيته رسما صورة متفردة متميزة جعلته بالفعل «مو صلاح» ابن الـ26 عاماً صانع البهجة فى قلوب المصريين وزارع الزهو فى عقولهم، والزهو لو تعلمون عظيم، إنه علاج المنهكين، وفيتامين الهفتانين، وبلسم المحبطين، وبهجة المطحونين، ورغم ذلك، فإننى أشفق على محمد صلاح كثيراً هذه الآونة، بل بدأ شعور بالقلق ينتابنى كلما قرأت عنه خبراً أو مقالاً مصدره مصر، لماذا؟ لأننا بعون الله قادرون على رفع الناس سابع سما، وبالقدرة نفسها نخسف بهم سابع أرض، آه والله!
ودون الخوض فى أمثلة كثيرة يعرفها الجميع على مدار التاريخ كانوا يحلقون فى السماء ثم انهبدوا تحت الأرض، فإن تحميل صلاح ما لا ينبغى تحميله به يقلقنى، بمعنى آخر، من حقنا ومن حقه أن نحتفل بتألقه، ونبتهج لانتصاراته، ونتابع بكل شغف محاولات شرائه من أكبر أندية العالم، ونسلط الضوء على منافسته الشديدة لأعتى لاعبى كرة القدم حول العالم وتفوقه على أغلبهم، وندَرِس مسيرته نحو النجاح والعالمية للصغار الذين نشأوا فى مجتمع توقف عن تصدير القدوة، لكن علينا كذلك ألا نستنزف صورته أو نستنفد قيمته أو نحمله أكثر مما ينبغى. ينبغى أن نعلم الفرق الكبير جداً وغير الملحوظ جداً بين أن يغرس أحدهم أثراً إيجابياً لدى الملايين بسبب أفعاله وإنجازاته وتصرفاته وتركيبته الشخصية وابتسامته ومظهره الخارجى من جهة، وبين أن يعمل أحدهم على خلق هذا الأثر عبر تقديم نفسه باعتباره «سفيراً» أو «مندوباً» من جهة أخرى، بمعنى آخر، فإن مسيرة صلاح وتفاصيلها الصغيرة قبل الكبيرة وشخصيته وتركيبته وجاذبيته جعلت منه سفيراً لبلده، وذلك دون أن يتم تنصيبه فى حفل كبير تنقله الشاشات وتبثه الفضائيات وتكتب عنه الصحف والمجلات «سفيراً» لمصر.
مصر لا تحتاج تنصيب سفراء يحسنون صورتها أو يجملون موقفها أو «يصنفرون» ما لحق بها من غبار، هى تحتاج تحسيناً ذاتياً يقوم به أهلها -حكاماً ومحكومين- عبر عمل وجهد، وتجميل حقيقى من خلال إزالة آثار الدمار الأخلاقى الشامل والتحلل السلوكى الكلى الذى ضربنا فى مقتل، و«صنفرة» الواجهات وذلك بعد تطهير الدواخل.
فى داخل الدعوة إلى تنصيب محمد صلاح سفيراً للسياحة المصرية فى أوروبا سم قاتل، محمد صلاح حالة قائمة بذاتها، وهو بالفعل أصبح سفيراً لمصر بحالته تلك، لماذا نقحمه إذن فى موقع يحول الحالة الطبيعية الجميلة الجاذبة التى تحيط به إلى ما يشبه فرع الورد البلاستيك القبيح الذى يضعه البعض على تابلوه السيارة فيزيدها قبحاً؟!
دعوا محمد صلاح وحالته لشأنهما، ولنستمتع ونبتهج ونفرح ونفتخر ونزهو بهما، وبدلاً من الشعلقة على أكتاف صلاح، لماذا لا نلتفت إلى وضع مصر السياحى، ونعترف بأن أوضاعنا الشارعية والسلوكية البشرية كارثية ولا تسمح أو تشجع بعودة السياح، وإذا كنا اعتدنا القبح ولم تعد الفوضى تزعجنا أو الغوغائية تنغص علينا حياتنا، لماذا لا نرفع تلال القمامة فى شوارعنا، وندعو إدارة المرور إلى الاستفاقة من غيبوبتها، ونطبق القانون المهدر فى الشارع، ونعيد تدريب البشر على أن السائح ليس مادة للاغتصاب أو النهب أو الاحتيال أو التحرش ولكنه مصدر رزق! محمد صلاح قد ينجح فى تشجيع السياح على القدوم إلى مصر، لكن هل تخيلنا الوضع بعد قدومهم بدءاً بهجمة سائقى التاكسى عليهم فى المطار مروراً بمشاهد تلال القمامة وبلطجة القيادة وغوغائية السلوكيات فى الشارع وانتهاء بزيارة الأهرامات وهجوم البلطجية عليهم؟!
اتركوا محمد صلاح وشأنه!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع