بقلم : أمينة خيري
قررت أن أبتعد عن كآبة أزمة الأمة وكارثة الخطاب الدينى المتحجر وآثار الجمود التى تهب علينا من كل صوب نتاج أجيال تربت فى كنف ما تم تصديره باعتباره النسخة الحقيقية من الدين والدين منها برىء، وذلك لأكتب عن صرعة حديثة فى عالم المعاكسات سابقاً التحرشات حالياً. لكن اكتشفت أن الموضة الجديدة فى عالم التحرش ما هى إلا ترجمة فعلية تضاف إلى موسوعة الأمة المأزومة، ولا تبتعد كثيراً عمن يذبح شخصاً ليعاقبه على إساءة اقترفها أو يفجر مصلين لأنهم يتبعون ديناً غير دينه. الجميع شرب ونهل من المصدر نفسه.
رن جرس الهاتف. ردت: آلو. قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قالت: وعليكم السلام. قال: أختى، عليك أن تردى سلام الإسلام كاملاً: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. قالت: حاضر، مين معايا؟ قال: أختى فى الإسلام، صوتك جميل ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قالت: ميرسى. مين معايا؟ قال: أليس الأفضل أن تقولى بارك الله فيك؟ أليست البركة أعم وأشمل وأرقى من هذه الميرسى؟ قالت: ماشى يا سيدى، ربنا يبارك لك، مين معايا؟ قال: بالله عليك، قبل أن أخبرك من أنا هل لك أن تسمعى تلاوتى لجزء من سورة يس؟ ألا تحبين القرآن الكريم؟ قالت: أستغفر الله العظيم يارب. أحبه طبعاً. هنا بدأ المتصل يتلو جانباً من آيات سورة يس بصوت جميل. وما إن قال صدق الله العظيم حتى بادرته هى: صدق الله العظيم بس مين معايا برضه؟ قال: الأهم من مين معايا هو أن تسمعى جزءاً من سورة البقرة. وقبل أن يعطيها فرصة، بدأ يتلو جزءاً من السورة لتباغته هى: صدق الله العظيم، لو سمحت مين معايا؟ فقال لها: يا أختى، أنا كابتن سامح. ويشاء العلى القدير أن أتصل بأحدهم هاتفياً فأتصل برقم خاطئ لأفاجأ بصوتك الجميل. تبارك الخلاق فيما خلق. قالت بعصبية: النمرة غلط يعنى.
قال: أختى استعيذى بالله من الشيطان الرجيم واسمعينى دقيقة ولا تتكلمى، قال رسول الله (ص) «إذا غضب أحدكم فليسكت». سأكون صريحاً معك، أنا فعلاً اتصلت بك بالخطأ، ولكن صوتك يخبرنى أنك فتاة متدينة ملتزمة. أكيد ترتدين الخمار على الأقل، صح؟ وقبل أن يترك لها المجال لتعاود السؤال: مين معايا. قال لها: أنا أبحث عن بنت الحلال المتدينة الملتزمة. ولا أريد شيئاً يغضب الله. عندك «واتس» أليس كذلك؟ سأرسل لك صفحتى على «فيسبوك». تصفحيها، ستجدينها صفحة من نور والله. آيات قرآنية، أحاديث نبوية، تفسيرات لأجل العلماء والمشايخ. ولعلمك أنا حافظ القرآن الكريم كله، يعنى ليس من المعقول أن تكون نيتى سيئة. قالت له: فى حاجة تانية؟ قال لها: آه. ابعتى لى صورتك لأنها ليست على الواتس!.. هذا السرد ليس الغرض منه إلقاء اللوم على الفتاة، لكنه يقول شيئاً عما نحن فيه من أزمة.