بقلم - أمينة خيرى
عادة تكون فى الإعادة إفادة. لكن الإعادة هنا ليس فيها إلا إبادة ومزيد من القتلى والفوضى. وقبل ساعات من كتابة هذه السطور وقع حادث مروع جديد على طريق القاهرة - السويس الذى يرتاده الآلاف يومياً. بعد دقائق، تم نشر الخبر على المواقع الخبرية: «وقد جرى إخطار اللواء عصام الأشقر بالواقعة، وبالانتقال تبين أن الحادث وقع بسبب تجاوز السرعة، وجارٍ رفع آثار الحادث وتسيير حركة الطريق». بعدها بقليل تم تحديث الخبر: «وكانت غرفة عمليات الإدارة العامة للمرور تلقت بلاغاً يفيد بوقوع حادث تصادم بطريق السويس بين أربع سيارات ووقوع مصابين، ما تسبب فى ظهور كثافات مرورية. وعلى الفور أمر اللواء عصمت الأشقر، مساعد وزير الداخلية للمرور، بانتقال قيادات المرور لمكان الحادث لرفع آثاره وسحب الكثافات المرورية لتسيير حركة سير السيارات وعودة الحركة المرورية لطبيعتها مرة أخرى».
وعادت حركة المرور بالفعل لطبيعتها مرة أخرى: طيش كامل، وجنون تام، وضرب عرض الحائط بقواعد وقوانين المرور وغياب كامل لأية أمارات تقول إن هناك إدارة مرور تعمل فى غير أوقات الكوارث لرفع آثار الحوادث المروعة وإبلاغ سيارات نقل الموتى لرفع الأشلاء والإسعاف لنقل المصابين. بالفعل عادت الأمور إلى طبيعتها. سيارات تطير ولا تسير، وأخرى لا تحمل لوحات أرقام أو تحمل لوحة أمامية فقط، وثالثة يقودها صبية، ورابعة ينشغل قادتها بإرسال رسائل نصية أو مشاهدة مقاطع فيديو على هواتفهم المحمولة أثناء القيادة، وخامسة أجرة ومرخصة ملاكى، وهلم جرا.
وحيث إن إدارة المرور أشارت إلى أن حادث ليل الأربعاء وقع بسبب السرعة الزائدة، فإنه تجدر الإشارة إلى أن طريق السويس وغيره من الطرق يخلو من لوحات تحديد السرعات. وقلما يكون هناك رادار، أو ضابط مرور على دراجة نارية يراقب ويتابع معاتيه القيادة، سفاكى الدماء من المطلوقين على الطرقات على مدار الـ24 ساعة.
وإذا كان هذا هو الحال على الطرق السريعة، فإن الوضع فى داخل المدن أزفت وأقبح. ومن واقع الخبرة، فإن ضاربى عرض الحائط بأبجديات السلامة المرورية موجودون فى كل مكان. فى داخل شوارع «مدينتى» و«الشروق» و«التجمع»، السير عكس الاتجاه عقيدة، وأولئك لهم اليد العليا لأنهم يتطاولون قولاً وفعلاً على القلة القليلة الملتزمة والمعترضة. ولأن هذه القلة لا ظهر لها أو سند أو دعم من قبَل القائمين على أمر تطبيق القانون، فإن الشارع لهم.
الشارع المصرى فى كارثة حقيقية. وإدارة المرور مسئولة مسئولية كاملة عما يحدث وعمن يقع من قتلى ومصابين وخسائر. الأحاديث الودية غير الرسمية مع الضباط تحمل لوماً على القيادات التى لا تدعمهم بالقدر الكافى من القوات، والتى أحياناً تميل إلى مجاملات مع مرتكبى المخالفات حيث «فلان ابن فلان باشا فمعلش» أو «علان قريب علان باشا فلا داعى للإحراج». وأمناء الشرطة يحملون قدراً غير قليل من الغل والحنق لأسباب تتعلق برواتبهم. وبالنسبة للأفراد، فإنهم لا حول لهم ولا قوة. ربما يعرفون معانى ألوان الإشارات فى حال كانت غير معطلة، لكن السير عكس الاتجاه، والدوران من غير الأماكن المخصصة، والقيادة الجنونية والحركات البهلوانية والتوك توك و«التمناية» والمركبات غير المرخصة والتحدث فى المحمول أثناء القيادة.. إلخ فلا يعرفون عنها شيئاً.
الضاربون بقواعد وقوانين المرور عرض الحائط يفعلون ذلك لأنهم على يقين بأن أحداً لن يحاسبهم. كانت إدارة المرور، وصارت إدارة تكريم الإنسان.
نقلا عن الوطن القاهريه